هل نزيف الدم ينقض الوضوء؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل نزيف الدم ينقض الوضوء؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن الدم من النجاسات، قال تعالى: (أو دما مسفوحاً) [الأنعام: 145]، وعلى اختلاف أهل العلم في تفسير المسفوح، فإن المقرر في كتب المذهب أن الدم نجسٌ. وخروج الدم من جسم الإنسان له أحكام تختلف من حيث كثرته وموضع خروجه.

أولا: الدم النازف من السبيلين: فهذا يبطل الوضوء، سواء في الصلاة أو خارج الصلاة. نظراً لموضع الخروج، وكل خارج من السبيلين فهو ناقض ولو كان نادراً، كدم ودودة وحصاة. قال المليباري في (فتح المعين): “ونواقضه، أي أسباب نواقض الوضوء أربعةٌ: أحدها تيقن خروج شيء غير منيه عينا كان أو ريحا رطبا أو جافا معتادا كبول أو نادرا كدم باسور أو غيره”(1)، ومثله في (بشرى الكريم)(2).

ثانياً: الدم النازف من غير السبيلين:

1) فأما في غير الصلاة

 فلا إشكال في خروجه لأنه ليس بناقض. قال في (المهذب): “وما سوى هذه الاشياء الخمسة لا ينقض الوضوء كدم الفصد والحجامة والقيء. لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد علي غسل محاجمه”(3). وحديث أنس هذا رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما(4). وعبارة الإمام النووي في (المجموع): “ومذهبنا أنه لا ينتقض الوضوء بخروج شئ من غير السبيلين كدم الفصد والحجامة والقئ والرعاف سواء قل ذلك أو كثر وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم ابن محمد وطاوس وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود قال البغوي وهو قول أكثر الصحابة والتابعين”(5).

2) وأما في الصلاة ففيه تفصيل:

أ‌- فأما نحو دم الجروح والدمامل ونحوها، فإنه يعفى عنه بشروط: (1) أن يكون دم نفسه، لا دم غيره. (2) أن لا يكون خروجه بفعله وتعمده. (3) أن لا يتجاوز محله المعتاد وصوله إليه. فإذا توفرت هذه الشروط لم يبطل الصلاة. ولا يستدل بحديث صلاة سيدنا عمر، رضي الله عنه، بعد طعنه وجرحه ينزف، لأنه أمر نادر الحدوث، ينظر (الإقناع) لمزيد تفصيل(6).

وقال الإمام النووي في (شرح المهذب): “وأجود منه حديث جابر: أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين ليلة في غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلي فجاء رجل من الكفار فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه ثم رماه بآخر ثم بثالث ثم ركع وسجد ودماؤه تجري. رواه أبو داود في (سننه) بإسناد حسن، واحتج به أبو داود. وموضع الدلالة: أنه خرج دماءُ كثيرةٌ، واستمرّ في الصلاة، ولو نقض الدمُ لما جاز بعدَه الركوعُ والسجودُ وإتمام الصلاة، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينكرهُ. وهذا محمولٌ على أن تلك الدماء لم يكن يمس ثيابه منها إلا قليل يعفى عن مثله هكذا قاله أصحابنا ولا بد منه”(7).

ب‌- وأما دم الرعاف، فهو عادة يكون قليلاً، وهذا يعفى عنه، لكن إذا كثر واتصل لزمه قطع الصلاة. قال الشيخ ابن حجر في (التحفة): “ولو رعف في الصلاة ولم يصبه منه إلا القليل لم يقطعها وإن كثر نزوله على منفصل عنه فإن كثُر ما أصابه لزمه قطعها ولو جمعة خلافا لمن وهم فيه أو قبلها ودام فإن رجا انقطاعه والوقت متسع انتظره وإلا تحفظ كالسلس”(8).

ودليل بطلان الصلاة إذا كثر الرعاف، حديث نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان إذا رعف، انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم. وإسناده حسن(9). ومسألة قطع الصلاة بسبب رعاف الإمام منصوص عليها في كلام الإمام الشافعي والأصحاب، وهي شهيرة.

وبناء على ما تقدم، فإنه ينبغي للمصلي إذا رعف في صلاته أن يقطعها ويغسل الدم عن أنفسه وما أصابه من بدنه وثوبه ثم يستأنف صلاته، أما إذا شعر بنزول شيء من أنفه فسده بنحو منديل فإن توقف أكمل صلاته خاصة إذا كان في جماعة مالم يسل الدم ويجاوز المحل فحينئذ الأفضل الخروج كما سبق. وإذا كان خارج الصلاة عليه أن يغسل الدم قبل الشروع في الصلاة. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في العلم والدين، وأن يهدينا سواء السبيل.

الهوامش:

1-  المليباري، فتح المعين: ص 59.

2- باعشن، بشرى الكريم: ص 124.

3- النووي، المجموع شرح المهذب: 2/ 54.

4- الدارقطني، سنن الدارقطني: 1/ 151؛ البيهقي، السنن الكبرى: 10/ 141.

5- النووي، المجموع شرح المهذب: 2/ 54.

6- قال الخطيب في (الإقناع: 1/122): “ويعفى عما عسر الاحتراز عنه غالبا من طين شارع نجس يقينا لعسر تجنبه ويختلف المعفو عنه وقتا ومحلا من ثوب وبدن وعن دم نحو براغيث ودمامل كقمل وعن دم فصد وحجم بمحلهما وعن روث ذباب وإن كثر ما ذكر ولو بانتشار عرق لعموم البلوى بذلك لا إن كثر بفعله فإن كثر بفعله كأن قتل براغيث أو عصر الدم لم يعف عن الكثير عرفا كما هو حاصل كلام الرافعي والمجموع. وعن قليل دم أجنبي لا عن قليل دم نحو كلب لغلظه وكالدم فيما ذكر قيح وصديد وماء قروح ومتنفط له ريح ولو صلى بنجس غير معفو عنه لم يعلمه أو علمه ثم نسي فصلى ثم تذكر وجبت الإعادة ويجب إعادة كل صلاة تيقن فعلها مع النجس بخلاف ما احتمل حدوثه بعدها”.

7- النووي، المجموع شرح المهذب: 2/ 55.

8- الهيتمي، تحفة المحتاج: 2/ 136.

9- رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الطهارة: باب ما جاء في الرعاف: الحديث 46؛ ابن الملقن، عجالة المحتاج: 1/ 231.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)