هل للاستغفار أهمية في حياة المسلم اليومية؟ وهل تجب المواظبة عليه؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل للاستغفار أهمية في حياة المسلم اليومية؟ وهل تجب المواظبة عليه؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

لا يخفى على أحدنا أهمية الاستغفار في يوم القيامة، فهو سبب تكفير الخطايا و محي الذنوب و السيئات و رفع الدرجات ، و تبييض الصحف؛ فطوبى لمن وُجد في صحيفته استغفار كثير، و كل ذلك وغيره قد جاءت به النصوص الشرعية من القرآن و السنة الشريفة

وأما أهمية الاستغفار في حياة المسلم الدنيوية اليومية فتنبع من خلال:

أولاً- استشعار العبد حالة التقصير في حق الله تعالى وهو في أحسن أحواله، فكيف به و هو في حالة المعصية و الغفلة عن الله تعالى

وهذا المعنى علّمه النبي صلى الله عليه و سلم لأمته، فكان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين أو مئة مرة، و هو الرسول الكامل المعصوم، و الأسوة الحسنة، صاحب الخلق العظيم، يقول صلى الله عليه و سلم: «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وإنِّي لأَسْتَغفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ» وفي رواية قال: «تُوبوا إِلى رَبكم، فَواللهِ إِني لأَتُوبُ إِلى رَبِّي تَباركَ وتَعالى مِائَةَ مَرَّةٍ في اليَوم» .رواه مسلم. (1)
قال النووي: «من الغين: وهو ما يتغشى القلب. وقال القاضي عياض: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه».(2)

ثانياً- معرفة أن الاستغفار هو أحد أعظم أسباب الرزق، و أنه مفتاح كنوز الخير في الدنيا

قال الله تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ .. ﴾[هود 3]

يقول الطبري: ( وقوله: ﴿يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى﴾، يقول تعالى للمشركين الذين خاطبهم بهذه الآيات: استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت) (3)

و قال أيضاً: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود :52]

وقال أيضاً في سورة نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح 10-12]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ»(4).

و بالتالي يجب على المسلم أن يواظف على الاستغفار دائماً؛ قياماً بحق العبودية لله تعالى أولاً ، و اتباعاً للنبي صلى الله عليه و سلم ثانياً، و تكفيراً لذنوبه و معاصيه التي يرتكبها خلال يومه ثالثاً، و أخيراً لاستجلاب الرزق و فتح أبواب الخير من الله تبارك و تعالى رابعاً ، و الحمد لله رب العالمين.

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ

الهوامش:
1- صحيح مسلم : حديث رقم (2702)
2- شرح صحيح مسلم، للنووي : 9/ 22
3- تفسير الطبري: [15/229]
4- سنن أبي داود: رقم (1518)