هل صحيح أن الملائكة تمتنع من الدخول الى بعض البيوت؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل صحيح أن الملائكة تمتنع من الدخول الى بعض البيوت؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

نعم يمكن لبعض الملائكة أن تمتنع عن الدخول إلى بعض البيوت لأسباب مختلفة، ولكن ليس عموم الملائكة وإنما نوع خاص منهم، وهم ملائكة الرحمة، وملائكة الوحي، أما الملائكة الموكلون بحفظ العبد وحفظ عمله فلا يفارقونه في جميع أحواله، لأنهم مكلفون من الله تعالى بكتب حسنات العبد سيئاته، وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، قال تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17-18] {رَقِيبٌ}: هو مَلَكٌ يرقُب قول العبد وعمله ويكتبه ويحفظه. {عَتِيدٌ}: أي هو حاضر مهيأ لكتابة الخير والشر، فملك اليمين يكتب الخير، وهو أمير على كاتب السيئات، وملك الشمال يكتب الشر[1]. وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ ‌لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10-12]

وقد بيّن النبي ﷺ سبب امتناع الملائكة عن الدخول لبيت المسلم، في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: “‌لَا ‌تَدْخُلُ ‌الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صورة تماثيل”. يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح [2].

وعن عبد الله بن عمر قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جبريلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ (تأخر عليه)، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِي ﷺ، فقال (أي جبريل): “إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كلب”[3].

قال ابن بطَّال: الملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي مثل حبريل وإسرافيل، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقان الإنسان على كل حال [4].

أما سبب امتناع الملائكة من الدخول لبيت فيه صورة؛ كونها (الصورة، والتمثال) معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى.

 وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب؛ لكثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطانًا كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى للشيطان.

قال النووي: وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة، فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة وملائكة الموت فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها[5].

ملحوظات:

– الصور التي تمتنع الملائكة من دخول البيت هي صور ذوات الأرواح غير الممتهنة، أما صور الأشجار أو المناظر الطبيعية فلا تمتنع بسببها، ومن أهل العلم من قال: بأن صورة الإنسان أو الحيوان إن كانت ممتهنة كأن تكون في بساط وغيرها فلا بأس بها.

– من أهل العلم من خصص امتناع الملائكة من الدخول لمكان فيه كلب، بغير كلب الصيد والماشية والزرع؛ لوجود الإذن من الشارع.

– ومنهم من قال: أنه عام في كلّ كلب وكل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع؛ لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يَعلم به، ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول البيت، وعَلَّلَ بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبرائيل[6].

– قَالَ بُسْرٌ (أحد رواة حديث أبي طلحة السابق): فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ (الراوي عن أبي طلحة)، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلَانِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ، أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ. أي إذا كانت التصاوير في الثوب فلا بأس بذلك. لكن من أهل العلم من قال كل الصور ذات الأرواح لا تجوز سواء في الثوب أو غيره، بل من اهل العلم من حرم الصلاة بالثوب المرسوم بالصور ذات الأرواح، وقالوا تصح الصلاة مع الحرمة.

وأخيراً: إن امتناع الملائكة من دخول البيت وغيره أمر غيبي لا نراه بأعينا، لكن يجب الإيمان به؛ لورود الخبر من الصادق المصدوق ﷺ.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] وهبة الزحيلي، التفسير المنير، 26/292.
[2] صحيح البخاري (3053).
[3] صحيح البخاري (3055)؛ شرح ابن بطال على البخاري (9/181)، شرح النووي على مسلم، 14/82.
[4] شرح ابن بطال على صحيح البخاري (9/181).
[5] النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 14/84.
[6] المباركفوري، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 8/72.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.