هل ترتيب سور القرآن الكريم وآياته هو بحسب نزوله على النبي ﷺ؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

هل ترتيب سور القرآن الكريم وآياته هو بحسب نزوله على النبي ﷺ؟

الجواب

باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.

ترتيب سور القرآن الكريم وآياته لم يكن بحسب نزوله على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل هو مرتب على غير ترتيب النزول.
ومعرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل منه، وموضعه في المصحف يؤكد هذا ويوضحه.

فأول ما نزل من القرآن:

هو صدر سورة العلق: ﴿‌اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۞ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ۞ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ۞ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5]  وسورة العلق موجودة في الجزء الثلاثين في المصحف وهو الجزء الأخير منه، ورقم سورة العلق بحسب تسلسلها هو (96) من أصل (114) سورة من سور القرآن.

      وقد بيّنت السيدة عائشة أن صدر سورة العلق هو أول ما نزل من القرآن، حين تحدثت عن أول ما بُدئ به رسول الله من الوحي فقالت: “فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فقال: اقرأ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي» فَقَالَ: ﴿‌اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۞ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ۞ اِقْرَأَ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِيْ عَلَّمََ بِالْقَلَمِ﴾. الآيات إلى قوله: ﴿‌عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[1] [صحيح البخاري].

أما آخر ما نزل من القرآن:

فهو قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا ‌يَوْمًا ‌تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281]  قال ابن عباس: “آخر ‌شيء ‌نزل من القرآن: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ﴾ [البقرة: 281] فهذه الآية موجودة في سورة البقرة، وهي موجودة في الجزء الأول من المصحف، ورقم هذه السورة هو في ترتيب المصحف. [2] [سنن النسائي].

      فلو كان ترتيب سور القرآن وآياته بحسب نزولها، لكان صدر سورة العلق هو أول سورة في المصحف، والآية (281) من سورة البقرة هي آخر آية فيه.
وبهذا يظهر جلياً أن سور القرآن وآياته غير مرتبة على ترتيب نزولها على المصطفى صلى الله عليه وسلم.

      وأخيراً: إن وضع آخر ما نزل من القرآن في ثاني سورة منه، ووضع أول ما نزل من القرآن في آخر جزء منه هو دليل صارخ على إعجاز كلام الله تعالى، وأن هذا القرآن هو من عند الله عز وجل، فنحن نقرأ القرآن ولا نشعر بهذه الفترة الزمنية بين نزول السورتين والتي تقترب من ثلاث وعشرين سنة، وما هذا إلا بسبب هذا الإحكام المتين بين سور القرآن.
وصدق الله إذ يقول: ﴿كِتَابٌ ‌أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1].

      وأنصح الأخ السائل إذا أراد أن يتذوّق الحِكَم في ترتيب سور القرآن أن يرجع إلى كتاب: “النبأ العظيم” للشيخ عبد الله دراز، وكتاب: “تناسق الدرر في تناسب السور” للإمام السيوطي، وكتاب: “نظم الدرر في تناسب الآيات والسور” للبقاعي.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ أنس لموسى، وراجعها الشيخ محمد أبو بكر باذيب.



الشيخ أنس الموسى عالم إسلامي من مواليد سورية حماة 1974م. حاز على إجازة في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، وماجستير من جامعة يلوا في نفس التخصص، فضلاً عن أنه مجاز في الهندسة من جامعة دمشق. تتلمذ على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ بكري الطرابيشي، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
لديه خبرة واسعة في تطوير التدريس والمناهج في المعاهد الإسلامية في سورية وتركية وغيرهما…
يقوم بالإقراء بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، ومدرس لمختلف العلوم الشرعية في كثير من المعاهد الشرعية، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري (4670).
[2] السنن الكبرى للنسائي (10991).
مناهل العرفان للزرقاني (1/ 192)؛ النبأ العظيم للشيخ عبد الله دراز ص183؛ علوم القرآن د. نور الدين عتر ص35.