هل الكتب السابقة محفوظة كما نزلت على أنبيائها إلى اليوم؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

هل الكتب السابقة محفوظة كما نزلت على أنبيائها إلى اليوم؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم,

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الكتب السماوية السابقة في النزول على القرآن، والتي أنزلت على أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، كالتوراة والإنجيل محرفة، ولم يبق اليوم كتاب سماوي كما أنزله الله تعالى محفوظاً من التحريف إلاَّ القرآن الكريم، الذي أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الكتب السماوية، مصداق قول الباري سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ ‌لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]

ومع أن الكتب السماوية السابقة للقرآن الكريم ثبت تحريفها، كما ورد في عدد من آيات القرآن الكريم، إلا أن المسلم مطالب بالإيمان بأصولها الصحيحة، التي لم يدخلها التحريف، لأنها كتب سماوية أنزلها الله تعالى على رسله؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]

ونحن كمسلمين نؤمن بأن هذه الكتب قبل تحريفها كانت مشتملةٌ على كلام الله تعالى، كما نؤمن بها دون تفريق بين كتاب وكتاب، كما نعتقد أنه كما لا يجوز أن نفرق بين رسول ورسول من حيث الإيمان بنبوته، كذلك نعتقد أن من أنكر شيئًا مما أنزله الله تعالى من هذه الكتب، فهو كافر.

كما نؤمن بأن التوراة والإنجيل اللذين في أيدي اليهود والنصارى اليوم قد دخلهما التحريف والتبديل؛ مصداق قوله تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ [المائدة: 14، 15].

وأكبر الأدلة على تحريف التوراة والإنجيل ما فيهما من التناقض، وما فيهما من أوصاف لا تليق بالله سبحانه، ولا بأنبيائه عليهم الصلاة والسلام.

ويكفي في ثبوت تحريف الإنجيل الموجود اليوم ما وقع فيه من قصة صلب المسيح عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يقول في القرآن: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ ‌وَمَا ‌صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157].

كما ويكفي في ثبوت تحريف التوراة قول يهود، مما أخبر به القرآن: ﴿وَقَالُوا ‌لَنْ ‌يَدْخُلَ ‌الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ﴾ [البقرة: 111] فهذا لم يكن في التوراة. (1)

قال ابن حزم الظاهري: وَمَا نَدْرِي كَيفَ يسْتَحل مُسلم إِنْكَار ‌تَحْرِيف ‌التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَهُوَ يسمع كَلَام الله عز وَجل {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم تراهم ركعا سجدا يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضواناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار} [الفتح: 29] وَلَيْسَ شيءٌ من هَذَا فِيمَا بأيدي الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِمَّا يدعونَ أَنه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَلَا بُد لهَؤُلَاء الْجُهَّال من تَصْدِيق رَبهم جلّ وَعز أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى بدلُوا التَّوْرَاة والإنجيل…”. (2)

والكتب السماوية التي ذكرها الله تعالى في القرآن هي:

– التوراة التي أنزلها الله على موسى؛ قال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 145].

– والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ﴾ [المائدة: 46].

– والزَّبُور الذي أنزله الله على داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].

 – وصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19].

 – وآخر الكتب نزولاً، القرآن الذي أنزله الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 – 195].

وأخيراً:

أقول للأخ السائل إن القرآن الذي حفظه الله تعالى من التحريف والتبديل فيه غنية عن النظر في بقية الكتب السماوية، وإن تطبيق أحكام القرآن فيه سعادة المسلم في دنياه وآخرته.

نسأل الله تعالى أن يعيننا على تطبيق أحكامه كما يحب ويرضى…آمين آمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): ينظر: تفسير الماتريدي (10/10).
(2): ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والاهواء والنحل، 1/160، وينظر: تفسير الرازي (8/257)؛ تفسير العز بن عبد السلام 1/268.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.