هل الأحرف السبعة هي نفسها القراءات السبعة؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

هل الأحرف السبعة هي نفسها القراءات السبعة؟

الجواب

                                       بسم الله الرحمن الرحيم
الأحرف السبعة هي غير القراءات السبعة؛ لأن الأحرف السبعة كانت موجودةً من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أما القراءات السبع فقد عُرفت واشتهرت في القرن الرابع الهجري، على يد الإمام الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد المتوفى سنة 324هـ، والذي اجتهد في جمع القراءات القرآنية، فاتُّفق له أن جاءت سبع قراءات موافقةً لعدد الأحرف، فدوَّنها في كتابه «القراءات السبع». ولو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع؛ لكان معنى ذلك أن يكون فهم أحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجها للناس. (1)
وحتى يتضح الفرق بين الأحرف السبعة والقراءات السبعة، لابد من التعريج قليلاً على تعريفهما .
تعريف الأحرف السبعة: هي سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.
والأصل في الأحرف السبعة ما رواه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ‌أَقْرَأَنِيهَا ‌عَلَى ‌غَيْرِ ‌مَا ‌قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقلت: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حروف لم تقرئنيها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أرسله، اقْرَأْ يَا هِشَامُ”. فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سمعته يقرأ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كذلك أنزلت”. ثم قال: “اقرأ يا عمر”. فقرأت القراءة التي أقرأني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه”. (2)
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ. قَالَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. فَقَالَ “‌أَسْأَلُ ‌اللَّهَ ‌مُعَافَاتَهُ ‌وَمَغْفِرَتَهُ ‌وَإِنَّ ‌أُمَّتِي ‌لَا ‌تُطِيقُ ذَلِكَ”. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقَالَ “‌أَسْأَلُ ‌اللَّهَ ‌مُعَافَاتَهُ ‌وَمَغْفِرَتَهُ، ‌وَإِنَّ ‌أُمَّتِي ‌لَا ‌تُطِيقُ ذَلِكَ”. ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَالَ “‌أَسْأَلُ ‌اللَّهَ ‌مُعَافَاتَهُ ‌وَمَغْفِرَتَهُ. ‌وَإِنَّ ‌أُمَّتِي ‌لَا ‌تُطِيقُ ذَلِكَ”. ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَأوا عَلَيْهِ، فَقَدْ أَصَابُوا”. (3) فدلت هذه الأحاديث على أن الأحرف السّبعة، جميعها قرآنٌ أنزله الله تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم وليست اجتهاداً، وأن الحكمة من إنزالها هو التوسعة على الأمة، ورفع الحرج عن التّالين من أصحاب الألسنة المختلفة، وأنها تتعلق بوجوه أداء الألفاظ، وكيفية قراءتها لا بالمعاني. (4).
ومن أمثلة الأحرف السبعة: ما رواه عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: ‌رَأَيْتُ ‌رَسُولَ ‌اللهِ ‌صَلَّى ‌اللهُ ‌عَلَيْهِ ‌وَسَلَّمَ ‌قَرَأَ ‌هَذِهِ ‌الْآيَةَ ‌فِي ‌خَاتِمَةِ ‌النُّورِ وَهُوَ جَاعِلٌ أُصْبُعَيْهِ تَحْتَ عَيْنَيْهِ يَقُولُ: «بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ». (5) والّذي في المصحف: (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النّور: 64]
ومنها: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَاسْتَفْتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَ: «الم ‌اللَّهُ ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ ‌الْحَيُّ ‌الْقَيَّامُ» . قَالَ هَارُونُ: هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ مَكْتُوبَةٌ: «الْحَيُّ الْقَيِّمُ». (6)  والّذي في المصحف: الْقَيُّومُ [آل عمران: 2].
أما تعريف القراءات: هي مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم، مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.(7) 
وعرف ابن الجزري القراءات بأنها: علمٌ بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة». (عزو الناقلة): أي أن هذا العلم ثابت بالنقل الثابت المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم.(8)
والقراءات موجودة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حين تلقى الصحابة القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأت كل قبيلة القرآن كما تعلموه منه صلى الله عليه وسلم، فكان لكل بلد أو قُطر قراءته المتواترة جيلاً عن جيل، واشتهر جماعةٌ من القرَّاء في كل طبقة من طبقات الأمة، يجمعهم حفظ القرآن وإتقان ضبط أدائه، والتصدي والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين وأتباعهم وهكذا، وكان من القراء مَن بلغ الذروة في الإتقان والضبط، كما كان ثمَّة قرَّاء دونهم، فقام العلماء بتمحيص هذه القراءات ودراسة أحوالها، وبينوا للناس المتواتر منها.
واعتبارا من عصر التابعين انتشرت القراءات كثيراً فشعرت طائفة من أهل العلم بضرورة الاحتياط للقرآن وقراءاته، فنهض كل إمام بضبط القراءة عن الأئمة المقرئين وهكذا في العصور التالية، ثم أودعت تلك القراءات في مؤلفات خاصة، حتى جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد (ت324)، فأفرد القراءات السبع المعروفة فدوَّنها في كتابه «القراءات السبع» فاحتلت مكانتها في التدوين وأصبحت عِلْمًا مفرداً يقصده طلاب القراءات.

أمَّا القراء السبعة الذين جمع ابن مجاهد قراءاتهم فهم:

1 – عبد الله بن كثير الداري المكي المتوفى سنة 120 هـ.
2 – عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي المتوفى سنة 118 هـ.
3 – عاصم بن أبي النّجود الأسدي الكوفي المتوفى سنة 127 هـ.
4 – أبو عمرو زبّان بن العلاء البصري المتوفى سنة 154 هـ.
5 – حمزة بن حبيب الزيات الكوفي المتوفى سنة 156 هـ.
6 – نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني المتوفى سنة 169 هـ.
7 – أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي المتوفى سنة 189 هـ

ملحوظة: وليست هذه القراءات التي جمعها ابن مجاهد هي كل القراءات، بل تابع علماء القراءة البحث – ومن أبرزهم: ابن الجزري – حتى استقر الاعتماد العلمي على قراءات أخرى متواترة زيادة على السبعة، بلغت ثلاث قراءات، ليصبح مجموع المتواتر من القراءات عشرَ قراءات، وهذه القراءات الثلاث المتممة للعشرة هي:

1 – وقراءة أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني المتوفى سنة 130 هـ.
2- وقراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي المتوفى سنة 205 هـ.
3 – وقراءة خلف بن هشام، المتوفى سنة 229 هـ.

تنبيه: نسبة القراءة إلى القارئ هي نسبة اشتهار لا نسبة ابتكار واختراع.

بقي أمر أخير هو: أين الأحرف السبعة الآن؟

الحقيقة جرى خلاف كبير في هذه القضية مرجعه إلى بيان المراد بالأحرف السبعة، وقد ذكر الزرقاني في مناهل العرفان اثنتي عشرة معنىً لها، وسأختار بعضها تكون دليلاً في هذا الموضوع ومن أراد الاستزادة فليرجع لكتاب مناهل العرفان في علوم القرآن وغيرها من كتب علوم القرآن:

  • يرى بعض المحققين كالإمام الباقلاني وغيره أن الأحرف السبعة باقية وأن المصاحف العثمانية التي استنسخها عثمان بن عفان رضي الله عنه قد اشتملت على الأحرف السبعة جميعاً جامعةً للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل متضمنةً لها؛ على معنى أن كل واحدٍ من هذه المصاحف اشتمل على ما يوافق رسمه من هذه الأحرف كلاًّ أو بعضاً، بحيث لم تخل المصاحف في مجموعها عن حرف منها رأسًا. (9)
  • ويرى فريق آخر أن الموجود من الأحرف السبعة هو بعضها مما نقرأ به اليوم؛ وذلك أن عثمان رضي الله عنه حين جمع القرآن جعل إمامه في ذلك الصّحف الّتي جُمعت في عهد الصّدّيق رضي الله تعالى عنه، وأمر الكتّاب أن يصيروا فيما اختلفوا فيه عند الكتابة إلى لغة قريش فتكون فصلاً بينهم، وكلّ حرف لا يأتي على موافقة الرّسم – وإن كان من السّبعة – لم يكتبوه في المصحف؛ لأنّ الصّحابة أدركوا المعنى الّذي لأجله أنزل القرآن على سبعة أحرف، وهو التّيسير على التّالين، وأنّه ما من حرف إلّا وهو على وفاق الآخر في معناه، ورأوا بعدَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ابتداء ظهور اختلاف الأمّة بسبب ذلك، كما رأوا أن العلّة في اختلاف الأحرف الّتي هي التّيسير على الأمة قد زالت، وبدأ يحلُّ محلّها فُرقةٌ وفتنة، فدرأوا تلك الفتنة بحفظ القرآن مجموعاً على رسم واحد عُمّم على جميع عواصم الدّولة الإسلاميّة، وبقي من تلك الأحرف ما يتّفق في الرّسم مع المصحف الإمام (مصحف عثمان). (10)
وأخيراً: فإن الأحرف السبعة هي غير القراءات السبع أو العشر، كما أن الأحرف السبعة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أما القراءات فتم جمعها في القرن الرابع الهجري على يد ابن مجاهد، وأن الأنظار مختلفة في هل الأحرف السبعة مضمنة في القراءات السبع أو العشر أم أن الموجود بعضها.                                            والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):ينظر: علوم القرآن د. عتر ص140-149.
(2):صحيح البخاري (4706).
(3):صحيح مسلم (821).
(4):المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص78.
(5): المعجم الكبير للطبراني (776)؛ فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ص308.
(6):فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (296)؛ مسند الفاروق لابن كثير (2/496)؛ جزء فيه قراءات النبي لحفص بن عمر الدوري (27)؛ المصاحف ابن أبي داود السجستاني ص161؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص80.
(7): مناهل العرفان للزرقاني (1/412).
(8): ينظر: منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري ص 9.
(9): ينظر: الانتصار للقرآن للباقلاني (1/65)؛ مناهل العرفان (1/168)، علوم القرآن الكريم د. عتر ص144.
(10): ينظر: مناهل العرفان (1/168) (1/176)؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص83، ص101.