من أين استفاد المسلمون علم الفرائض وتقسيم الإرث؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

من أين استفاد المسلمون علم الفرائض وتقسيم الإرث؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله القائل” تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا”([1])

و بعد :فإن علم المواريث أو الفرائض هو العلم الذي يهتم بتوزيع التركة بعد وفاة الشخص وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. وهذا العلم له أهمية كبيرة في الإسلام لعدة أسباب:

1. تحقيق العدالة: علم المواريث يهدف إلى توزيع التركة بطريقة عادلة بين الورثة، وفقاً لنسب محددة نصت عليها الشريعة الإسلامية. هذا يضمن عدم التحيز أو الظلم بين الورثة

2. تنظيم الأسرة والمجتمع: يساعد هذا العلم في الحفاظ على العلاقات الأسرية والمجتمعية، حيث يتم توزيع الميراث بشكل يمنع النزاعات والخلافات بين أفراد الأسرة.

3. التأكيد على حقوق المرأة: الشريعة الإسلامية أعطت المرأة نصيباً محدداً في الميراث، وهذا النصيب ثابت لا يمكن التلاعب به، مما يضمن حقوقها المالية

4. تنفيذ أوامرالله سبحانه وتعالى: توزيع الميراث وفقاً للشريعة الإسلامية هو جزء من تنفيذ أوامر الله واتباع سنته، وبالتالي يُعد هذا من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله.

5. حفظ الأموال وتداولها: علم المواريث يساهم في تداول الأموال بين الأجيال بشكل منظم، مما يساهم في الاستقرار الاقتصادي للأسر والمجتمع ككل.

6. توضيح الأحكام الشرعية: يعتبر علم الفرائض جزءًا من الفقه الإسلامي الذي يوضح الأحكام الشرعية المتعلقة بالمواريث، مما يساعد المسلمين في تطبيق الشريعة بشكل صحيح في حياتهم العملية.

ويستمد علم الفرائض قواعده من ثلاثة مصادر رئيسية:

1) القرآن الكريم 

ومنه أُخذت أكثر أحكام المواريث ؛ كأحكام ميراث الزوج ، والزوجة ، والأب ، والأم ، والبنت ، وغيرهم

و آيات المواريث قد وردت في كتاب الله تعالى مجملة و مبينة وهي   :

1.  قوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{7} وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا {8})[7-8: النساء].

2.  قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {74} وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{75})[74-75: الأنفال].

3. قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[11: النساء].

4. قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[12: النساء].

5.  قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[176: النساء]

2) السنة النبوية

ومنها أُخـذ العديد من أحكام المواريث ؛ كإرث أم الأم ، والأخوات مع البنات ، وغير ذلك وقد بوب الأئمة المحدثون رحمهم الله  في مصنفاتهم أبواب المواريث و الفرائض فقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الفرائض في صحيحه في واحد و ثلاثون بابا و أورد فيها من السنة ما يتعلق بعلم الفرائض ،و كذلك ذكر الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح كتاب الفرائض في ستة أبواب و كذلك فعل غيرهم من المحدثين رحمهم الله تعالى.

3) الإجماع

حظي هذا العلم الجليل بعناية الفقهاء فاجمعوا عليه ، حتى انتهوا به إلى أن أصبح ما عليه من تنسيق وترتيب وضبط وتوضيح ، والمقصود بالإجماع الإجماع القطعي ، الذي دلت عليه قطعيات الشريعة من الكتاب والسنة ، فالإجماع دليل مؤكد لا مؤسس ، كما في توريث أم الأب باجتهاد الفاروق عمر([2])I ، وموافقة الصحابةرضي الله عنهم وعليه إجماع المسلمين . ([3])

نسأل الله أن يوفقنا للعمل بشرعه و التزام أحكام دينه إنه سميع مجيب

 _____________________________________________________________________
([1]) أخرجه الحاكم (8045) والنسائي(6272) والدارمي (227)

 

([2]) صحيح ابن حبان (6031)

([3])و لتمام الفائدة يحسن الرجوع إلى المصادر التالية :

1. الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، لقدري باشا
2. الأحوال الشخصية الأهلية والوصية والتركات، للدكتور أحمد الكردي.
3. الأحوال الشخصية في الأهلية والوصية والتركات، د. مصطفى السباعي، و د.عبد الرحمن الصابوني
4. الأحوال الشخصية، د. أحمد الحجي الكردي
5. مباحث في علم المواريث د. مصطفى مسلم
6. شرح متن الرحبية في علم الفرائض لسبط المارديني
7. شرح الفرائض السراجية للجرجاني
8. فتح المغيث في أحكام و مقاصد المواريث د. أسامة الحموي

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.