مقتطفات | واتقوا الله الذي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام | د. أحمد الفاضل

 

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ [النساء، 176].

﴿وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي السِّين وَفِي قِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ بِحَذْفِهَا أَيْ تَتَسَاءَلُونَ
﴿بِهِ﴾ فِيمَا بَيْنكُمْ حَيْثُ يَقُول بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ أَسْأَلك بِاَللَّهِ وَأَنْشُدك بِاَللَّهِ
﴿وَ﴾ اتَّقُوا ﴿الْأَرْحَامَ﴾ أَنْ تَقْطَعُوهَا (على هذه القراءة، وهي قراءة ماعدا حمزة، الأرحام معطوفة على لفظ الجلالة، يعني اتقوا الله والأرحام، اتقوا الله بطاعته واتقوا الأرحام بألا تقطعوها) وَفِي قِرَاءَة بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الضَّمِير فِي بِهِ (فيصبح المعنى: واتقوا الله الذي تساءلون بالله وبالأرحام) وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ بِالرَّحِمِ.
يقول واحد منهم للآخر: أسألك بقرابتي، يعني أستعطفك، فالمقصود هنا الاستعصاف.
طبعاً الأرحام هنا جمع رحم مشتقة من الرحمة؛ لأن القرابة من شأنهم أن يتراحموا وأن يعطف بعضهم على بعض، لذلك هناك حديث قدسيّ «الرحم مشتقة من الرحمن، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته».
فقراءة حمزة “والأرحامِ”، وهذه بعض النحاة تجرّأ وضعّفها، وهذا غير سديد؛ لأنها قراءة متواترة، وقواعد النحو محكومة للقراءات، بمعنى القرآن يحكم على قواعد النحاة، لا أن قواعد النحو تحكم على القرآن، فمن ضعّف هذه القراءة أو تكلّم فيها فقد جانب الصواب؛ لأنه جعل قواعده النحوية حاكمة على كلام الله عزوجل، والعكس هو الصحيح، أصلاً هذه القواعد “النحو والصرف والبلاغة وغير ذلك” لم تكن إلا لخدمة كتاب الله سبحانه.
ودليل قراءة حمزة موجودة في شعر العرب، من ذلك قول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتُِمنا ** فاذهب فما بك والأيامِ من عجب..
“فاذهب فما بك والأيام” يعني وبالأيامِ، فعطف الأيام على الضمير في قوله “فما بك والأيامِ”، إذن هذه القراءة لا إشكال فيها ولها شواهد وهي صحيحة.
قاعدة بعض النحاة الذين ضعّفوا هذه القراءة قالوا لا بدّ من تكرير الجار في هذه الحال، يعني بأن يقول “بهِ وبالأرحامِ” لو كان كذلك لا إشكال عندهم، وهذا مردود لوجود الشواهد ولكونها قراءة متواترة.