مقتطفات | إنما العلم بالتعلم ﴿وَاتّقوا اللهَ ويعلمُّكُمُ اللهُ﴾ | الشيخ إسماعيل المجذوب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لو أن الآية الكريمة (إن تتقوا الله يعلمكم) كانت الدلالة صحيحة، ولكن ليست الآية هكذا، الآية تتعلق بالمعاملة المالية ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ وبعد نهاية البحث في أحكام الدين والتوثيق للحقوق ﴿وَاتّقوا اللهَ﴾ هناك تعليمات قبلها ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذ۪ي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ….﴾ في هذه المعاملة يقول الله ﴿وَاتّقوا اللهَ﴾ فإذا استطعت بالكتابة أن تجعل فيها باباً لتستطيع أن تظلم أخاك فاتق الله، وإذا أراد شاهد أن يميل إلى أحد الخصمين فاتق الله ﴿وَاتّقوا اللهَ ويعلمُّكُمُ اللهُ﴾ الله يعلمكم ما فيه مصالحكم في الدنيا، ومافيه مصالح أموالكم ومصالح أجسادكم، ومصالح آخرتكم ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فلا يصح الاستشهاد في هذه الآية:أني أنا أذكر الله كثيراً وأصلي بالليل وأتصدق وأعمل صالحاً ومن ثم يأتيني العلم من الله، هذا الكلام غير صحيح (لكن لا ننكر أن اثنين من الطلاب متساويين في أهليتهما للدراسة والعلم، أحدهما تقيٌّ والآخر ليس تقياً، أنوار الإيمان في قلب التقي وفي ذاته تعينه على علمٍ أكثر وفهمٍ أكثر، يعني يأتيه التوفيق من الله سبحانه بسبب أنوار الإيمان التي أكرمه الله بها، هذا لا ننكره) ونأخذ الجواب أيضاً من حديث النبي ﷺ الذي رواه البخاري معلّقاً فقط «وإنما العلم بالتعلم» (إنما) تدل على الحصر، كأن النبي ﷺ يقول تعلموا من أهل العلم، فلا يكون هناك علم إلا بالتعلم «وإنما العلم بالتعلم»، نحن الآن نتكلم عن المنهج الذي يحصّل فيه العلم، ولانتكلم عن تعليم الله للأنبياء بالوحي، ولا نتكلم عن تعليم الله للخضر عليه الصلاة والسلام أقول عليه الصلاة والسلام لأني أميل لمن يقول بأنه نبي، وهناك من يقول هو ولي ، ولكن رجلٌ وصفه الله عزوجل ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾، وقال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ يعني وإنما فعلته عن أمر الله، إذن هو فيه وحي، فهذا يرجّح أنه نبيّ فلا نتكلم عن الطريقة التي آتاه الله العلم، ولكن أنا أريد أن أتعلم لا بدّ لي أن أتعلم من العلماء.

الهدف من هذا السؤال أن ندرك أن من يطلب بالعبادات والأعمال الصالحة ولا يطلب العلم من العلماء، فهو لا يحصّل العلم، ولكن حصل العلم وتعلم من العلماء واتق الله تبارك تعالى، والله يوفقك في تحصيل العلم.

فمن أراد العلوم الشرعية فالطريق الصحيح أن يتلقى تلك العلوم من أهلها الراسخين المتمكنين في هذه العلوم، وكذلك من أراد أن يتعلم الميكانيك، الكيمياء، الهندسة، الحدادة، النجارة، كل علم من العلوم يتعلمه من أهله.

وبعد هذا انتقل في شيء من كلام النووي في هذا المجال:

ذكر النووي أن مما يرشد إليه أهلُ العلم طلابَ العلم ألا يأخذوا العلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال ابن سيرين ومالك وخلائق من السلف، وكثير من هذا موجود في الصحيحين، وخصوصاً في صحيح مسلم نقل عن السلف: «إن هذا العلم دين، فانظروا عم تأخذون دينكم»، وقال أهل العلم (النووي): ولا تأخذوا العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو على شيخٍ حاذق، فمن لم يأخذه إلا من الكتب، يقع في التصحيف، ويكثر منه الغلط والتحريف.