محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ في شأن مكانة الفتوى في الإسلام وخطير شأنها وعظيم أثرها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله على ساعات … لله وفي الله ومن أجل الله، وعلى شؤون وحي الله، ومسائل شرع الله وأحكام دينه التي بعث بها حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومن اهتدى بهداه، فقد وفَّقَنا الله تبارك وتعالى في المجيء إلى هذه الرحاب الطاهرة، جزى الله تعالى خير الجزاء سماحة المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية، وأخذ بيده والسادة الأعضاء في هذا الدائرة دائرة الفتوى في هذا البلد وسددهم وأسعدهم وأيدهم، وكان لهم عونا، وأجرى لهم على أيديهم الخير الكثير لهذه الأمة المحمدية.

كنت في المجلس مع سيدي الوالد الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حبيب، ودار بينكم الكلام عن شؤون هذه الفتوى وعظمتها وأمانتها، وما يجب أن يكون المفتي فيها عليه، وما يفعل ليتحلى به في ذلك المقام الشريف والمنصب المنيف، الذي حدَّث عنه السابقون وقالوا: إن المفتين موقِّعون عن الله.

فعظمة المسألة في الشأن، مع كون المفتي يختلف عن القاضي، فإن القاضي مُلزِم، ولكن ذلك لا يُخرِج المفتي عن نيابته عن الحق ورسوله، وعن وساطته بين الخلق وخالقهم جل جلاله وتعالى في علاه، فهو محل للأمانة، ومحل البلاغ لهذه المهمة العظيمة، التي كان يذكر عنها بعض سادتنا التابعين، فيقول: إني أدركت قومًا – أي: من الصحابة – كان يسأل أحدهم، فيتكلم وهو يرعد من الفَرَق والقلق والخوف في المسألة، فيضطرب هيبةً للكلام عن حكم الله تبارك وتعالى.

وهكذا ذكر الإمام النووي عليه رحمة الله تبارك وتعالى في المجموع شرح المهذب وقد خصص فصلا عجيبا في باب الفتوى وآداب المفتي والمستفتي، وما إلى ذلك، ذكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عليه رحمة الله تبارك وتعالى يقول: أدركت عشرين ومئة من الأنصار من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكان ما يستفهم أحدهم عن حديث إلا ود أن أخاه كفاه روايته، ولا يستفتى في مسألة إلا ود أن أخاه كفاه فيها، وإن أحدهم ليسأل فيرجع هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول عليهم رضوان الله.
هذا الرعيل الأول الذين تلقوا شأن هذه الرسالة مباشرة من صاحب الرسالة سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووضعوا لنا اللبنة الأولى في كيفية حماية هذه الرسالة وحفظ هذه الرسالة والقيام بحق هذه الرسالة، والفتوى في شئون هذه الرسالة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وهكذا كان الباقي منهم يقول: إن أجسر الناس على الفتوى أقلهم علما، وأجسر وأسرع إلى أن يقول وإلى أن يفتي.

فالمسألة دارت على أساس عظيم في شأن التوقيع عن الله كما ذكرنا وأشرنا ودخول هذا المفتي بين الخلق وخالقهم جل جلاله وتعالى في علاه؛ ولهذا كان كما تعلمون وتفهمون سادتنا التابعين وتابعي التابعين من بعدهم على هيبة … في تعظيم هذا المجال وبتعظيمهم عظم الدين وأهل الدين في قلوب الخلائق وفي قلوب عامة الشعوب في أزمانهم وأوقاتهم في دائرتهم

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم * ولو عظموه في الصدور لعظما
أو لعظما أي: عظمهم وصاروا معظمين بسببه، ولو عظموه في الصدور لعظما.
ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا * محياه بالأطماع حتى تجهما

كانت هذه الهيبة لدين الله سبب سرايتها إلى القلب فيما بينا لأن الدين محل الهيبة حتى صار الحكام في أزمنتهم يتزلفون إلى كثير من أهل العلم ويحبون الاستناد إلى أقوالهم وإلى ما يكون منهم وعلماؤهم وصلحاء علمائهم يفرون كانوا منهم وكانوا مع ذلك يؤدون الأمانة في شؤون هذه المهمة التي هي حصن من الحصون وثغر من ثغور الإسلام تقفون عليه ويقف عليه المخلصون من أهل مجالكم هذا في شرق الأرض وغربها وإليهم ترجع المسؤولية الكبيرة فيما يدور بين الناس من كل من بقي عنده خيط اتصال بالدين وأدنى مخافة لله تبارك وتعالى يصدر منهم كل المخالفات الشريعة أو اعتداء بعضهم على بعض لا شك أن لأهل هذا المجال وأهل العلم في ذلك دخل وفي ذلك سببية من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.

بل انتهى الأمر في زمننا إلى أن التجني والغدر واستعمال الفتوى لأجل الأغراض والمقاصد ومهما تصورت كانت دنيئة في حد ذاتها أو تُصُوِّر أن فيها نصرة للدين أو ما إلى ذلك ولكن بجهالة بعدم إدراك وعمق في الفهم وأرجاء المسئولية التي كان يتحدث عنها بعض التابعين ويقول: إذا سئلت عن مسألة فقبل أن تفتي اعرض نفسك على الجنة والنار ثم أجب، تكلم، وانظر كيف نجاتك كيف تنجو؟ انظر كيف نجاتك وتكلم بعد ذلك.

كل ذلك وصل الحد في زماننا إلى أن كثيرا وخصوصا مما يرتكب باسم الدين إلى حد سفك الدماء وما قبل ذلك من أنواع الاعتداء يرجع إلى فتاوى، كيف إلى فتاوى؟ بل الكثير منهم شباب هذه الأمة المغرر بهم ما يقدم حتى يقول: هاتوا لي فتوى، ما يقدم على العمل عمل يرى أنه يريد الخير يريد الحق مغرر به مسكين يريد نصرة الدين فيتصل بمفتيهم الفلاني ومفتيهم الفلاني وعلى ضوء الفتوى يدخل المسجد ويفجر وعلى ضوء الفتوى يفعل ما يفعل من التصرفات الغريبة لكن على ضوء الفتوى.

فبغض النظر أن هؤلاء أفتوا على غير بصيرة وعلى غير علم ولكن بقي في وازع الأمة وضمير الأمة الرجوع إلى فتوى ولما تسلم هؤلاء الشباب بحماسهم لهؤلاء الذين لا علم لهم على الحقيقة ولا قدم لهم ولا رسوخ في العلم كل ذلك عائد إلى أن عندنا تقصير في احتواء شبابنا احتواء عامتنا إذا رأوا أن الذين ينتسبون إلى الفتوى لا يكفونهم ثقة ولا يكفونهم قدوة ولا يكفونهم لإشباع رغباتهم في الوجهة إلى الدين، مالوا بعد ذلك من المفتي إلى الآخر ومفتي إلى الآخر حتى يصلوا إلى توهم أن هؤلاء المفتين هم الذين يدافعون عن الدين وهم الذين ينصرون شرع الله تبارك وتعالى، والواقع عكس ذلك تماما لكن لو وسع المجال لاحتوائهم من قبل الذين هم أهل ومن بدايتها ونشأتها وإن كان هناك من يتصيد هؤلاء الشباب وحماسهم ويصرفهم من البداية عن أهل العلم وعن أهل الرسوخ إلا أن إذا عمرت هذه الميادين بأهلها وعلى وجهها فستصد كثيرا من الشر والمكر الذي يصيب الأمة وينازلهم من شرور هذه الفتاوى الغريبة وإن كانت مسألة حتى فيها أقاويل أهل العلم أنفسهم المعتبرين؛ نحن فيها على ميزان – ذلك الميزان لا نستطيع أن نحط من قدره، منهم أهل العلم والفتوى من الأئمة الماضين عليهم رضوان الله في المذاهب الأربعة التي صارت مظهر أهل السنة وإن لم يحصر الله العلم والاجتهاد في ساداتنا الأئمة الأربعة، ولكن جعل الله تبارك وتعالى حفظ الكليات لأصول الدين وكيفية الاستنباط قائم على أيديهم وحفظت مذاهبهم في الأمة وأن يظهر بين أهل السنة والجماعة من خدم في اجتهاده ونظره للشريعة بالشمول والعموم غير هؤلاء الأربعة وكل مجتهد في زمانهم وقبل زمانهم وبعدهم ما حصل أن وثقت شئون اجتهاده وأقيمت على الوجه الذي بسطته ومع ذلك سبحان الله قد استوعبوا المعنى حتى لا يكون المجتهد في زمانهم ولا بعد زمانهم إلا واجتهاداته وما ينتهي إليه من فتاوى مندرجة تحت ما انتهوا إليه من تأصيل الأصول في شئون فقه الشريعة المطهرة وكيفية الاستنباط منها فكأن الله هيأهم لاستيعاب الأمر وتجديد دين الأمة فيما يتعلق بأحكام الشريعة المطهرة.

فبرز هؤلاء الأكياس التقاة، ويقول سيدنا الإمام أبو حنيفة عليه رضوان الله تعالى: لولا الفَرَق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت.

وهكذا يقول بعضهم عن الإمام أحمد بن حنبل: إني أراه يُسأل فيقول لا أدري. قال في مسائل هو يعرف أقاويل فيها ولكنه يرى أن المجال ليس مجال فصل في القضاء فيها فيقول لا أدري ويتوقف، وهكذا كان يقول يحيى بن معين عليه رحمة الله تعالى وسفيان يقول: من فاته لا أدري أو من أخطأ لا أدري فقد أصيبت مقاتله.

وبهذا جاءنا عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فأجاب عن ست وقال في اثنين وأربعين الله أعلم الله أعلم الله أعلم، إمام دار الهجرة شيخ سيدنا الإمام الشافعي عليهم رحمة الله تبارك تعالى هذا الحال فلنظل إلى العلم والفتوى فيجب أن يحيى ويتجدد في الأمة من جديد ويجب أن يقوم ومن غير ما شك أن مع باب الصدق والإخلاص معها سيرجع الله إليهم قلوب المخلصين من الأمة في كل وقت يأذن فيه بانتهاء الفتن ودفع الضر عن الأمة تنعطف القلوب على أهل الصدق والإخلاص ويكون المرجع إليهم إذا صدقوا وأخلصوا مع الله وثبتوا على ما هم عليه تنساق القلوب إليهم وترجع إليهم لأن الله تعالى إنما جعلهم كالعقاب للإهمال والترك وعدم القيام بالأمر يظهر إلتفات القلوب إلى الشاذين وإلى من يخرج عن السبيل القويم في الفتوى وما إلى ذلك أشبه بالعقاب لتقصير الأمة. فإذا قام أهل السنة وعمروا هذه الميادين والمجالات بحقها كما ينبغي عادت القلوب إليهم ورجع الناس إليهم فضلا من الله تعالى لسنته سبحانه وتعالى في شئون الخلائق وتسييرها وتقديرها جل جلاله وتعالى في علاه على المستوى العام والخاص: على المستوى العام شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتون به – الاستنكار لما يأتون به منتشر بمختلف أنواع الاستنكار والاستغراب عند الطوائف هذه وهذه يصدقون يخلصون يثبتون وما ترى إلا العاقبة والمصير كما جاء: {ثم أورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} بماذا؟ بمجرد ما عبروا من وكان مجالها ضغيف في ذاك الوقت أمام سلطنة فرعون وأحدث لهم سيدنا موسى معسكرات لكي تقاوم فرعون، ولكن المجال في هذا ضعيف ولا يقدرون عليه {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا} وبعدين المقابل {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} ما قال ودمروا {دمرنا} الله يقول أنا دمرت هم قاموا معي أيضا وأنا الذي دمرت هذا الصعب الشديد الشائك أمامهم أنا دمرته {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} ويقول قبلها في الآية عن قوم فرعون هؤلاء لما نكثوا في العهد فيقول سبحانه وتعالى -تحفظون الآية- قبلها بقليل يقول: {فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون * فانتقمنا منهم} الانتقام جاء بالنكث بعد إعطاء الفرصة للبيان وعدم الرجوع يجيء الانتقام من الله تعالى لمختلف الطوائف الشاذة والمخالفة إذا أعطيانهم الفرصة وبينا لهم وقلنا: يا قوم الأمر كذا والمسألة كذا والدليل كذا والمرجع إلى كذا وتقوى الله خير وأحسن اصبروا واثبتوا على ذلك، إذا تمادوا في غيهم وطغيانهم بأي طريقة انتقمنا منهم تأتي من فوق {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم} نص ما سبب هذا؛ {بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلون} لا أنهم قصروا في إعدادهم ولا في استعدادهم ولا في تقوية جيشهم، أبداً، أغرقهم بما {كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} فنصرهم الله، هؤلاء قال: {بما صبروا} وهؤلاء {كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.

كذلك هذه الشئون العظيمة فيما أوصلكم الله إليه والحمد لله أنتم في وضع ومملكة وتستطيعون فيها أن تقيموا أمر الله وتحسنوا البيان ليس فوقكم سيف إرغام من سلطة على أن تقولوا ولا أن تتركوا ولا أن تفعلوا وتسطيعون رضاء ربكم جل جلاله وتعالى في علاه وخدمة الدين من خلال هذا المجال والحمد لله تبارك وتعالى.

هيأ الله تعالى من المسؤولين عليكم من يفرح بصدقكم وإخلاصكم لإقامتكم بأمر الله كما ينبغي وهكذا، قد كان فيمن قبلكم من ذلك مثل إلى مثل الشيخ نوح سلمان عليه رحمة الله تعالى ومواقفه أمام كبار المسؤولين أكبر رجل في الدولة إلى غيره ما حظيت إلا بالتقدير وحظيت بأن بواطنهم حملت للشيخ إكبارا وتقديرا لما رأوه من صدق وما رأوه من ورع وما رأوه من إخلاص وما إلى ذلك.

فالحمد لله وحده كما ذكركم الحاج مشهور فرع من فروع أهل السنة والجماعة في الوقت الذي تشتت فيه أذهان الناس وأفكار الناس هنا وهناك وأنتم في هذا المجال مفسوح لكم جدا وأنتم بكامل حريتكم أن تنصروا الحق وتنصروا وجه الشريعة على وجهها وتنقذوا الناس وتهدوها وتسهموا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه الآن في الأمة وتدارك ما يمكن أيضا تداركه من خلال هذه الفتاوى والقيام بها على وجهها المرضي الطيب الآمن وهو الوقت الذي احتاج أرباب هذا السير من أتباع مذاهب أهل السنة والعلماء عليهم رحمة الله تبارك وتعالى أن يقوم التواصل بينهم والتعاون لرأب الصدع ولأن الذي وقع على الأمة شيء كبير فيما يتعلق بالفتوى والتجرؤ عليها والظهور بها ممن هب ومن دب أمر كثير واستجاب الكثير أيضا من قبل بعض الاتجاهات ومن قبل البعض لِأنْ يقولوا القول الفلاني ولأن يظهر بالمظهر الفلاني واقع في الأمة وأحدث فيها شرخا كبيرا في جانب علائق الخلق بدينهم وبإيمانهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعض شئونه ساهمت مع العوامل الأخرى إلى أن يفكر في الإلحاد ويفكر من أبناء الأمة وأبناء المسلمين أن يتركوا الدين من أصله ما دام عقب الصورة ظهر بكذا وظهرت أنا بكذا وظهر فيها التخاصم على غير وجه قوي وما درى فين يروح وشاف بعدين ووقف موقف خلاه يعرف أن الرجل له حول الدين وله حول كذا، فرجع ما عاد شك في الرجل بل شك في الدين كله وشك في الإسلام والشريعة هذه كلها الذي نحن وياهم نقول كذا وكذا في اليوم واليوم بين عشية وضحاها ينقلب السلوك كله يقول كذا ويقول كذا وساهم هذا مع العوامل الأخرى إلى وقوع عدد من شبابنا في الإلحاد وفي ترك الدين والخروج من الدين كله.

فالتعاون اليوم بين أهل العلم خصوصا منهم هذا الجانب الكبير في الأمة جانب أهل السنة وإذا قلنا جانب أهل السنة وثقنا بأن بقية الفئات لن تجد إلا ما يدلها أو يُسَكِّنها عن شرها أو يسد الثغرات أمامها أو لا يساعد على أن تغلب أو أن تبالغ في عتوها وما إلى ذلك؛ لأن ميزان السنة يقيم أهله هذا الميزان، وغير أهل السنة إذا تحرك أو إذا تصرف يعرف يتصرف في غاياته التي تقصر عن قصد وجه الله تبارك وتعالى وعن مراعاة المصلحة العامة للأمة حتى جاء عن سيدنا الإمام الشافعي سئل عن مسألة وسكت ساعة فقيل له: ما لك تسكت؟ قال: اصبر حتى أدري الخير في الجواب وفي السكوت، انظر على قرب هل أجاوب ولا أسكت عن هذا الشخص في هذا الموقف عليه رضوان الله تبارك وتعالى يتحرى منزلته عند الله تبارك وتعالى وما الذي يرضي ربه سبحانه وتعالى في هذا الحال وفي هذا المقام.

بهذه الصورة العظيمة دائما معاني في الترتيبات من وجود المرجعيات إلى الحدود التي تسمعون عنها فيقولون: لا يفتى ومالك بالمدينة بمعنى: مهما وجدت المسائل ينبغي أن يرجع الناس إلى كبرائهم وإلى عظمائهم وأن يعرضوا الأمر عليهم وأن يتشاوروا فيه؛ لهذا كان يقول من التابعين: إن أحدكم يفتي في المسألة لو سئل عنها عمر لجمع لها أهل بدر، لو عمر بن الخطاب سئل عنها ما بيفتي فيها الأمير الذي يفرق منه الشيطان بل يفرق من ظله يفرق الشيطان ومع ذلك يقول أنه لو سئل عن مثل هذه المسألة فيجمع أهل بدر يستشيرهم فيها ما بيجاوب من عنده سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه هكذا وسيرته هذه معروفة وسيرة الخلفاء الراشدين عليهم رضوان الله الذين أمرنا باتباع سنتهم حتى كان يجمعهم لمسائل كثيرة.

وحتى جمعهم مرات من أجل إرث الجد والإخوة، وفي مرة اجتمعوا وبينما هم يناقشون سقطت حية من السقف فقاموا واشتغلوا بقتلها، فقال: أبى الله أن تجتمعوا في الجد والإخوة على شيء يعني تبقى مسائل كلها مرجعيتها اتركوها على ما هي عليه التي ما يتأتى الإجماع فيها من خلال اختلاف الأدلة فتبقى الله أرادها كذلك ولو أراد أن ينص على كل مسألة في القرآن نفسه أو السنة نص عليها وما عاد حد يقدر يتكلم لكن الله جعل النصوص بهذه الصورة ليبقى دور الأصفية في الأمة من الذين يستنبطون يبقى دورهم في هذا الاستنباط على هذه المسائل فأبقاها في هذه الصورة التي جاء الكتاب وجاءت السنة بهذه الصورة فيها ما يحتمل المعاني وفيها الناسخ والمنسوخ وفيها بعد ذلك ما هو مسكوت عنه يبنى على ما تكلم فيه من قبل الحق ومن قبل الرسول ويخرج الاستنباط {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم} أولي الأمر في الآية المراد بهم: العلماء، {وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطون} قال لعلمه مش كل واحد بيعلم أهل الاستنباطية أهل القدرة والكفاءة هم الذين يستنبطونه {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} وعاب على الصحابة أن يتكلموا في أي مسألة كلام عام مطلق {وإذا جاءهم أمر من الأمن والخوف أذاعوا به} قالك: هذا سلوك غير مرضي عند الله وعند رسوله، {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} على أن من المسائل ما ينبغي أن يكون في دائرة اختيار الألفاظ ومنه ما ينبغي أن يكون في دائرة خصوصية.

حتى أراد سيدنا عمر بن الخطاب أن يتكلم عن بعض الشئون المتعلقة بالخلافة وكان في الحج وكان كبار الصحابة معه قالوا: لا يا أمير المؤمنين ما تتكلم بهذا في الحج يسمعون عنك الكلمة من جمهور الحجاج فلا يعرفونها ويذهبون بها ويطيرون بها كل مطار، أصبر حتى تعود إلى المدينة فيها المهاجرون والأنصار وخواص الصحابة تكلم معهم واخطب فيهم فإنهم يعون عنك ما تقول، ويحفظونه ويقيمونه في مقامه، وسيدنا عمر أخذ بالنصيحة وما خطب في هذه المسألة في عرفه ولا في منى ولما رجع إلى المدينة جمع الناس في المسجد النبوي وقام يتكلم فيهم ويقول: لا يتعجب من يقول إن عمر أخذها هكذا وإن بيعة أبي بكر كانت فلتة والأمر كذا وكذا وكذا وأخذ يوضح لهم حتى – ولكن عندهم يفقهون ويعون الأمر ويدركون وهكذا.

وبكل ذلك علمنا ما يحيط المفتي من أمانة وهمة ونيات واهتمام ومهمة هو فيها في ثغر من ثغور الإسلام يبني للناس حصن يرد عنهم أمر يتطاول إليه النفوس والأهواء وشياطين الإنس والجن لو تقدروا تفوتون من هذا الباب كلكم تحبون أن تفوتوا من هذا الباب لأنه يصيب الأمة في ظهرها يصيب الأمة في أمر خطير فيها فلهذا القيام فيها على الوجه المحمود ثغر من ثغور الإسلام يحميه هذا القائم بالوصف الحسن ويسد عن الأمة شر كثير من شياطين الإنس والجن ومن الأهواء ومن النفوس ويؤدي أمانة الله بينه وبين الله تبارك وتعالى وتسلم الأمة من أنواع ذلك الفساد والشر الذي يصيب الأمة كان يقول سيدنا الشافعي يقول: ما رأيت الله تعالى أعطى أحدا الكفاءة في القوة في آلة الفتيا مثل سفيان بن عيينة، وما رأيت أسكت منه، يقول أعطي قوة وقدرة وجمع الآلة في الفتيا مثله، وما رأيت أسكت منه أكثر ما يكون سكوتا عن الفتوى وهو المؤهل الأكثر رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه، وهكذا.

ومضوا على قصد السبيل إلى العلا * قدما على قدم بجد أوزع
ثبتوا على قدم الرسول وصحبه * والتابعين لهم فسل وتتبع

الحمد لله أن هيأ لكم السبيل ويسر لكم الأمر وتسطيعوا أن تخدموا الشريعة المطهرة والدين والأمة كلها من خلال موقعكم هذا وموقفكم هذا والله يؤيدكم ويزيدكم خيرا وبركة ورعى الله سبحانه وتعالى المسؤولين عن هذه الدوائر الدينية في هذه الدولة ويلهمهم رشدهم في حركاتهم وسكناتهم ويزيدهم توفيقا لما يحبه ويرضاه جل جلاله ويحفظوا السنة والحج ودين الأمة وحماية الأمة من أنواع الشرور الظاهرة والباطنة وأن يأخذ بأيدي أحبابنا هؤلاء في هذه الدائرة أن نسر بزيارتها وزيارتها واجب من الواجبات علينا ونفرح بذلك ونفخر بأن نجد هؤلاء الإخوان من الألبة والعقلاء والحكماء والعلماء الذين يحبون النهوض بأنفسهم وبالأمة في أداء هذه الأمانة العظيمة ونفخر بذلك ونسر بذلك زادكم الله شرفا وكرامة وبِراً وتقوى وجعلنا وإياكم من خواص الصادقين الموفين بعهده الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأهنئكم بزيارة الحبيب علي المشهور في هذا السن جابه الله إليكم بسبب وبآخر حتى يكون معكم وقضى من أيام طفولته ويشاهد وجوه منيرة تذكر بالله تبارك وتعالى هذا ممن لم يترك قيام الليل من صغره إلى وقت وفاته كان يشاهدهم في كل يوم ويحضر معهم في المجالس ويتربى على خدمة الدين والشريعة وقام بالخدمة من أيام شبابه في تريم في حضرموت إلى أن مرت الظروف الصعبة أيام الشيوعية عندنا في حضرموت وأيام اختطاف والده وأيام تهديدهم له في البيت وتفتيشهم للبيت ووضعهم للمسدس في رقبته إلى غير ذلك من الوسائل التي كانوا يستعملونها ثبت في هذه المدة كلها وقام مع المخلصين الصادقين في خدمة هذا الدين وهذه الرسالة وجابه الله إليكم اليوم واجتمعنا وإياكم والحمد لله على كل ذلك وزادكم الله زيادة: وآرانا وأسمعنا فيكم ما يسر قلب الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم وما به تنالون الفخر والعز الأشرف في الدنيا وفي الآخرة وأصلح لنا ولكم شئوننا الباطنة والظاهرة والحمد لله رب العالمين.