متى ينسخ الحديث النبوي حكمًا في القرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

متى ينسخ الحديث النبوي حكمًا في القرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

النسخ هو: رفع الشارع حُكمًا منه متقدمًا بحكم منه متأخر[1].

وقد اختلف العلماء في جواز نسخ القرآن بالسنة، فأجاز الحنفية ذلك؛ إذا جاءت السنة مجيئاً يوجب العلم، ولم يكن من أخبار الآحاد؛ أي إن السنة التي يجوز نسخ القرآن بها، هي ما ورد من طريق التواتر ويوجب العلم، نحو خبر المسح على الخفين؛ لأن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْسَخ الْقُرْآن إِلَّا إِذا أُوحِي إِلَيْهِ بذلك، فكلاهما وحي من الله عز وجل [2].

واستدل بعض المالكية لجواز نسخ القرآن بالسنة، بحديث “لا وصية لوارث”، وأنه نسخ حكم الآية {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180]، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت صِدقُه، وهو الأصل فيما جاءنا به عن الله عز وجل، فلا فرق إذا وردت آية عامة، بَيْنَ أن يُبيّنَ لنا أنه أريد بها بعض الأعيان دون بعض، وبين أن يبيِّنَ لنا أنه أريد بها زمان دون زمان؛ لأن هذا تخصيص للأعيان، وهذا تخصيص للأزمان، فإذا جاز أن يَخُصَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم ببيانه الأعيان بالاتفاق، جاز أن يخصَّ النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه الأزمان قياسًا عليه لأنه مثله[3].

وجوَّز الإمام أبو المعالي الجويني، نسخ السنة للقرآن، فقال: ” رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحكم بِحكم من تِلْقَاء نَفسه فِيهِ بِرَأْيهِ، وَإِنَّمَا يَقُول مَا يَقُول عَنهُ ربه وَحيًا وإلهاماً، وَمن جوز الِاجْتِهَاد على الرُّسُل فَإِنَّمَا يؤديهم اجتهادهم إِلَى الْعلم بِأَمْر الله بِلَا استرابة، بِخِلَاف اجتهادنا فِي المجتهَدَات، فَخرج من ذَلِك أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبلِّغٌ عَن ربه، وَأَن الْأَمر على الْحَقِيقَة لله سُبْحَانَهُ، فَإِذا ثَبت حكم بِآيَة تتلى من كتاب الله تَعَالَى، ثمَّ أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بارتفاع ذَلِك الحكم، فَإِنَّمَا يخبر عَن الله، كَمَا أَن الْعبارَات عَن الْقُرْآن تنبئُ عَن كَلَام الله تَعَالَى، فيؤول محصول الْكَلَام إِلَى أَن ذَلِك نسخُ حكم ثَبت بِكَلَام الله، غير أنا توصلنا إِلَى معرفَة كَلَام الله تَعَالَى فِي أحد الْحكمَيْنِ متلو بِهِ، وتوصلنا إِلَيْهِ فِي النَّاسِخ بِلَفْظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم…”[4].

ملحوظة:

من أهل العلم من نفى جواز نسخ القرآن بالسنة؛ وقالوا: لا يوجد سنة نسخت قرآناً، واحتجوا بقول الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106] فقالوا: السنة لا تكون خيرًا من القرآن ولا مِثلَهُ بوجه[5]. والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/28)؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (3/66)؛ علوم القرآن د. عتر ص131؛ مباحث في علوم القرآن مناع القطان ص238؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص205؛ مباحث في علوم القرآن صبحي الصالح ص259.
[2] ينظر: الفصول في الأصول للجصاص (2/345)؛ المعتمد في أصول الفقه أبو الحسن المعتزلي (1/395)؛ أبو المظفر السمعاني قواطع الأدلة في الأصول (1/450)؛ بدائع الصنائع للكاساني (1/7).
[3] المقدمة في الأصول لابن القصار ص143.
[4] الجويني التلخيص في أصول الفقه (2/516)
[5] الفصول في الأصول للجصاص (2/348)

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.