متى ينبغي للوالدين التدخل في توجيه أبنائهم في اختيار مستقبلهم التعليمي أو الوظيفي؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

متى ينبغي للوالدين التدخل في توجيه أبنائهم في اختيار مستقبلهم التعليمي أو الوظيفي؟

الجواب

متى ينبغي للوالدين التدخل في توجيه أبنائهم في اختيار مستقبلهم التعليمي أو الوظيفي؟

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

يحقّ للآباء -شرعاً- التدخل في شؤون أولادهم الحياتية والعلمية والعملية، و توجيههم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، ما داموا تحت ولايتهم ومسؤوليتهم
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «كلكم رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: وَالأمِيرُ رَاعٍ، والرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أهْلِ بَيتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجها وَوَلَدهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (1).

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ»(2)

و لكن هذا لا يعني -أبداً- عدم مراعاة رغباتهم و اختياراتهم لمسلك حياتهم العلمي أو الوظيفي من العلوم و الأعمال و التخصصات، بما يتوافق مع الشرع، و يحقق النفع و الخير لهم و لأمتهم، و كما قال صلى الله عليه و سلم : ”اعملوا، فكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له.“ (3).

ولا ينبغي إكراههم على مسلك معين؛ فالإبداع و النجاح و التميّز يتنافى مع الإكراه و الإجبار مع ضرورة تعليمهم أمورَ دينهم ، و ما هم بحاجةٍ إليه في عباداتهم و معاملاتهم و أخلاقهم ،
و كذلك توجيههم إلى تحسين نيتهم و قصدهم و إخلاصهم لله تعالى فيما يختارونه.

ينبغي للآباء التدخل في توجيه أبنائهم في اختيار مستقبلهم

و على هذا فلا ينبغي للآباء التدخل في توجيه أبنائهم في اختيار مستقبلهم التعليمي أو الوظيفي ما دام هذا الاختيار تتوفر فيه الشروط التالية:

أن يكون متوافقاً مع الضوابط الشرعية و أحكام الحلال و الحرام:

فلا يؤدي هذا المسلك العلمي أو الوظيفي إلى ارتكاب المحرمات، كالصناعات المحرمة مثل الخمر وما يتصل به، أو أنواع البيوع و التعاملات المالية القائمة على الربا و أنواعه، أو الوقوع في الشبهات وغير ذلك، وقد عقد الإمام النووي بابا خاصاً في كتابه رياض الصالحين سمّاه : ”باب وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى ونهيهم عن المخالفة وتأديبهم ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ“  ثم ذكر فيه الآيات و الأحاديث التي تدل على ذلك (4)

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم 6]

– أن لا يؤدي هذا المسلك العلمي أو الوظيفي إلى أضرار و مخاطر غير اعتيادية:

أما الأضرار و المخاطر الاعتيادية أو البسيطة، أو غير المتوقعة؛ فهذه لا يخلو منها عمل أو وظيفة، يقول صلى الله عليه و سلم : ”لا ضرر و لا ضرار.“ (5)

– أن يحقق لهم هذا المسلك النفع و المصلحة في شؤون حياتهم و دينهم ودنياهم

كما قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ. وَإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أنّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدرُ اللهِ، وَمَا شَاءَ فَعلَ؛ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ»رواه مسلم. (6)

و على هذا؛ فإذا نقص واحدٌ من هذه الشروط فللآباء الحق في التدخل و التوجيه، و المنع إذا لزم الأمر، ما دام الأولاد تحت مسؤوليتهم، أما إذا كانوا خارج مسؤوليتهم فلهم حق التوجيه والنصح، و الله أعلم

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ

  الهوامش :

1- صحيح البخاري : (5200)، و صحيح مسلم : (1829)
2- السنن الكبرى للنسائي : (9129)
3- صحيح البخاري : رقم (4949)، و صحيح مسلم : رقم (2647)
4 – رياض الصالحين للنووي، صفحة (115)
5- رواه الإمام مالك في الموطأ، رقم الحديث (2758) ، و الأربعين النووية برقم 32
6- صحيح مسلم : رقم ( 2664) ، [ 8\56]