متى يكون القنوت، وما هي كيفيته؟
يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض
السؤال
متى يكون القنوت، وما هي كيفيته؟
الجواب
الحمد لله الذي له ما في السموات و ما في الأرض كل له قانتون و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الآمر بالدعاء و التضرع في جميع الشؤون.ù
فالقنوت في الصلاة مما يحقق معنى الصلاة الأصلي وهو الدعاء وله عدة مواضع يشرع فيها على خلاف بين الفقهاء في بعضها.
معنى القنوت :
يطلق القنوت في اللغة على معان عدة، منها :
الطاعة: قال تعالى ﴿ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلࣱّ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ﴾ [البقرة ١١٦]
والصلاة: قال تعالى ﴿یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ﴾ [آل عمران ٤٣]
والسكوت: حيث ورد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت ﴿وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِینَ﴾ [البقرة ٢٣٨]فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ([1]) .
والدعاء: وهو أشهرها ، وحكى النووي أن القنوت يطلق على الدعاء بخير وشر ، يقال : قنت له وقنت عليه ([2])
وفي الاصطلاح :
قال ابن علان: القنوت عند أهل الشرع اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام.([3])
و للقنوت مواضع عدة و يختلف حكمه بين الفقهاء حسب مواضعه :
أ – الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ :
وقد اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلاة الصبح على ثلاثة أقوال :
1) للحنفية والحنابلة : وهو أن القنوت في الصبح غير مشروع ([4])
واستدلوا على ذلك: بما وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ”([5]) قالوا : فكان منسوخا ، إذ الترك دليل النسخ ،
2) للمالكية على المشهور : وهو أن القنوت في الصبح مستحب وفضيلة([6]) ، و استدلوا على ذلك بما رواه أَنَسٌ قَالَ: ( مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا )([7])
ويجوز قبل الركوع وبعده في الركعة الثانية ، ومن ترك القنوت عمدا أو سهوا فلا شيء عليه ، فإن سجد لتركه قبل السلام بطلت صلاته .
3) للشافعية : وهو أن القنوت في صلاة الصبح سنة([8]) ، وذلك لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا .([9])
قالوا: ولو تركه لم تبطل صلاته، لكن يسجد للسهو ، سواء تركه عمدا أو سهوا .
أما محله، فبعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من الصبح ،
ب – القنوت في الوتر :
اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلاة الوتر على أربعة أقوال :
1) لأبي حنيفة: وهو أن القنوت واجب في الوتر قبل الركوع في جميع السنة ،
وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: هو سنة في كل السنة قبل الركوع .
2) للمالكية في المشهور كراهة القنوت في الوتر .
وفي رواية عن مالك أنه يقنت في الوتر في النصف الأخير من رمضان([10])
3) للشافعية في الأصح: وهو أنه يستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان خاصة ، فإن أوتر بركعة قنت فيها ، وإن أوتر بأكثر قنت في الأخيرة([11]) .
4) للحنابلة: وهو أنه يسن القنوت جميع السنة في الركعة الواحدة الأخيرة من الوتر بعد الركوع([12])
ج – القنوت عند النازلة :
اختلف الفقهاء في حكم القنوت عند النوازل على أربعة أقوال :
1) للحنفية: وهو أنه لا يقنت في غير الوتر إلا لنازلة : كفتنة وبلية ، فيقنت الإمام في الصلاة الجهرية ([13])
2) للمالكية في المشهور: وهو أنه لا يقنت في غير الصبح مطلقا([14])
3) للشافعية في الصحيح المشهور وبعض المالكية: وهو أنه إذا نزلت بالمسلمين نازلة ، كوباء ، وقحط ، أو مطر يضر بالعمران أو الزرع ، أو خوف عدو ، أو أسر عالم قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة ([15])
واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة ، إذا قال : سمع الله لمن حمده ، من الركعة الآخرة ، يدعو على حي من بني سليم ، على رعل وذكوان ، ويؤمن من خلفه ، قال : أرسل يدعوهم إلى الإسلام ، فقتلوهم ([16]).
4) للحنابلة على الراجح عندهم: وهو أنه يكره القنوت في غير وتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة – غير الطاعون – لأنه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس ولا في غيره ، ولأنه شهادة للأخيار ، فلا يسأل رفعه ، فيسن للإمام الأعظم – وهو الصحيح في المذهب – القنوت فيما عدا الجمعة من الصلوات المكتوبات – وهو المعتمد في المذهب – لرفع تلك النازلة ([17])،
ذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، ثُمَّ تَرَكَهُ )([18])
ماهو دعاء القنوت ؟
ورد في السنة صيغ كثيرة لدعاء القنوت من أشهرها :
1) “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ ، وَنَسْتَغْفِرُكَ ، وَنُؤْمِنُ بِكَ ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ ، وَنَخْضَعُ لَكَ ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدُّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ” ([19])
2) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ([20])
3) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمُ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ ، اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نَكْفُرُكَ ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ الْجِدَّ ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ([21])
فحري بالمسلم أن يقنت في صلاته إذ القنوت على الكيفيات السابقة من مظان إجابة الدعاء لموافقته فعل النبي صلى الله عليه و سلم وصحابته الكرام ([22])
وفقنا الله لكل خير و الحمد لله رب العالمين
______________________________________________________________________________
([1]) أخرجه البخاري (1200) ومسلم (539) ،
([2]) المجموع شرح المهذب 3/474
([3]) الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 2 / 286 .
([4]) المغني لابن قدامة 2 / 585 وبدائع الصنائع 1 / 273
([5]) أخرجه البخاري (1001) ومسلم (677) ،
([6]) مواهب الجليل 1 / 539
([7]) أخرجه البيهقي (3155) والدارقطني (1692) وأحمد (12853)
([8]) المجموع شرح المهذب 3 / 495
([9]) أخرجه البيهقي (3155) والدارقطني (1692) وأحمد (12853)
([10]) منح الجليل 1 / 157
([11]) روضة الطالبين 1 / 253 ، 330 ، المجموع شرح المهذب 4 / 15 .
([12]) المغني 2 / 581 .
([13]) البحر الرائق وحاشيته منحة الخالق لابن عابدين 2 / 47 ، 48
([14]) منح الجليل 1 / 157
([15]) روضة الطالبين 1 / 254 ، المجموع شرح المهذب 3 / 494 .
([16]) أخرجه ابن خزيمة (618) والحاكم (825) وأبو داود (1443) وأحمد (2790)
([17]) كشاف القناع 1 / 494 وشرح منتهى الإرادات 1 / 229 .
([18]) أخرجه البخاري (1001) ومسلم (677)
([19]) أخرجه البيهقي (3193) وأبو داود (89)
([20]) أخرجه ابن الجارود (301) وابن خزيمة (1095) وابن حبان (722) والحاكم (2180) وأبو داود (1425) والترمذي (464) وأحمد (1740)
([21]) أخرجه البيهقي (3161) وعبد الرزاق (4969) وابن أبي شيبة (7100)
([22]) للتوسع في بحث القنوت وأحكامه ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية : مادة قنوت ، و الفقه الإسلامي و أدلته للزحيلي 2/1000 المبحث السادس القنوت
[الشيخ] محمد فايز عوض
هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض من مواليد دمشق – سوريا 1965
درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها
خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985
حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور في باكستان.
له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،
مدرس في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية
مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول
عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم:
والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.