ما هي فضائل حفظ القرآن الكريم؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي فضائل حفظ القرآن الكريم؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

مما لا شك فيه أن شرف القرآن عظيم ومنزلة حافظه لا توازيها منزلة؛ كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حقه:  «‌خَيْرُكُمْ ‌مَنْ ‌تَعَلَّمَ ‌الْقُرْآنَ ‌وَعَلَّمَهُ». (1)

بل حفظُ القرآن وتعلُّمُ أحكامه من أسباب حصول الحسد المحمود، الذي قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه:  «‌لَا ‌حَسَدَ ‌إِلَّا ‌فِي ‌اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ». (2) فحافظ القرآن أحد اثنين لا يُحسد غيرهما.

بل يكفي حافظَ القرآن منزلةً قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ‌الَّذِينَ ‌اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32] وقوله تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت:49] .

وحفظ القرآن يوجب رفعة الحافظ في الدنيا والآخرة؛ روى ‌عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ « أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ ‌عُمَرَ بِعُسْفَانَ – وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ – فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى، قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: ‌إِنَّ ‌اللهَ ‌يَرْفَعُ ‌بِهَذَا ‌الْكِتَابِ ‌أَقْوَامًا ‌وَيَضَعُ ‌بِهِ ‌آخَرِينَ ». (3)

والقرآن يشفع لحامله يوم القيامة؛ مصداق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:« اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ ‌فَإِنَّهُ ‌يَأْتِي ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ ‌شَفِيعًا ‌لِأَصْحَابِهِ”. (4)

وعن عَبْد اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ” تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ “. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: ” تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا “. (5)

بل ذَكر النبي صلى الله عليه وسلم “إن من إجلالِ الله إكرامَ ذي الشيبَةِ المسلمِ، وحاملِ القُرآنِ غيرِ الغالي فيه والجافي عنه، ‌وإكرَامَ ‌ذي ‌السُّلطَانِ ‌المُقْسِطِ”. (6)

وقد بيَّن المصطفى صلى الله عليه وسلم منزلةَ حافظ القرآن حين خصّه بأنه الأَولى بإمامة الناس في الصلاة؛ فقال: “يَؤُمُّ ‌الْقَوْمَ ‌أَقْرَؤُهُمْ ‌لِكِتَابِ ‌اللهِ…”. (7)

ويدل على منزلة حفظ القرآن، موقف المصطفى صلى الله عليه وسلم من شهداء يَوْمَ أُحُدٍ حين قال: ” زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ ” قَالَ: وَجَعَلَ يَدْفِنُ فِي الْقَبْرِ الرَّهْطَ قَالَ: وَقَالَ: ” ‌قَدِّمُوا ‌أَكْثَرَهُمْ ‌قُرْآنًا “. (8)

بل بين المصطفى صلى الله عليه وسلم منزلة حافظ القرآن؛ حين شبَّه جسد حافظ القرآن الذي جمع الله القرآن في صدره، بالجلد الذي لا تمسه النار ولا تقربه؛ فقال: ” ‌لَوْ ‌أَنَّ ‌الْقُرْآنَ ‌جُعِلَ ‌فِي ‌إِهَابٍ ‌ثُمَّ ‌أُلْقِيَ ‌فِي ‌النَّارِ ‌مَا ‌احْتَرَقَ “. (9)

وذكر المصطفى حال أهل القرآن يوم القيامة، فقال: «يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: ‌يَا ‌رَبِّ، ‌حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ»، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً”. (10)

أخيراً:

القرآن الكريم أكبر منةٍ امتن الله تعالى بها على عباده؛ ففيه حياةُ القلوب وسعادة النفوس في الدنيا والآخرة، هذا القرآن الذي فتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وهدى به من الضلالة وبصَّر به من العمى، وأخرج به من الظلمات إلى النور. اللهم اجعلنا من حملته والمدافعين عن مبادئه واجعلنا من أهله…آمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): صحيح البخاري (5027).
(2): صحيح البخاري (5026).
(3): صحيح مسلم (817).
(4): صحيح مسلم (804).
(5): مسند أحمد (22950).
(6): سنن أبي داود (4843).
(7): صحيح مسلم (673).
(8): مسند أحمد (23657).
(9): مسند أحمد (17365).
(10): سنن الترمذي (2915).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.