ما هي صفة صلاة الحاجة وحقيقتها؟

يجيب عن السؤال فضيلة الشيخ د. باسم عيتاني

السؤال

ما هي صفة صلاة الحاجة وحقيقتها؟


الجواب

صلاة الحاجة في الفقه الإسلامي:

      هي صلاة يتوسل بها المؤمن إلى الله تعالى لقضاء حوائجه وتفريج كروبه، فيلتجئ إلى الله بقلبه، فإن أراد المؤمن أن يطلب من الله المعونة كنجاح في دراسة أو رواج سلعة مباحة كانت كاسدة في تجارته أو زواج بحاجة إليه، وكذلك إن أهمَّه شيءٌ أو أصابه غمٌّ أو مرض نُدِب له أن يتوجَّه إلى الله بصلاة الحاجة ليسأل الله حاجته، ويدعوه ليكشف ما أصابه من ضُرّ.

      وهذا التشريع لصلاة الحاجة تعليم للمؤمن بأنه لا يقضي الحاجات إلا الله، ولا يغيث إلا الله سبحانه وتعالى، وهذه الصلاة هي عنوان للتوحيد بأن الأمر كله بيد الله وأنه يدبر الأمر هو الله وحده، وأن كل الأسباب من خلقه لا تخرج عن إرادته جل شأنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهذه الصلاة تؤكد معنى الركن الأول الأساس ألا وهو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله.

وتوجيه المؤمن لصلاة الحاجة بأن يمارس الدعاء في حياته وأن يتعود عليه لأن الدعاء سلاح المؤمن، ففيه يتحقق الخضوع والذل لله تعالى وهو أسمى درجات العبودية لله تعالى، فيتذوق حلاوة الدعاء لأنه من ذاق عرف ومن عرف غرف.

      صلاة الحاجة من النوافل المندوبة وهي سنة غير مؤكدة، ثبتت بالحديث الشريف، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لْيُصَل رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ، وَلْيُصَل عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَقُل: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُل بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُل إِثْمٍ، لاَ تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» [1]

ومعنى أسألك موجبات رحمتك: أي أسألك الأشياء التي تقتضي الرحمة منك، ومعنى عزائم مغفرتك: أي أسألك الأشياء التي تقتضي مغفرة الذنوب اقتضاء تاماً، ومعنى الغنيمة من كل بر: أي أسألك أن تجعل غنيمتي وعطيتي كل خير.

      ولصاحب الحاجة أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات [2] بتسليمة واحدة وهذا أحسن في المذهب، في غير الأوقات المكروهة [3]، ويدعو بدعاء صلاة الحاجة الذي سبق ذكره، وله أن يدعو أيضاً بهذا الدعاء الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» [4]، ولا يمنع الجمع بين الدعاءين بعد الركعتين أو الأربع ركعات. ولو اختار أن يصلي ما بعد العشاء في وقت السحر لكان أولى لأنه وقت مبارك مشهود فيه تنزلات الملائكة.

      ولصاحب الحاجة أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة ويستغفر الله تعالى من جميع الذنوب والآثام، ويعطي حقوق الخلق، ويصفي قبله وينقيه حتى يخلو من الحقد والحسد والغل، ويطهر ماله من الحرام والشبهات، ويعاهد الله على الاستقامة، ويحسن وضوءه ويتوجه إلى القبلة  فيتوجه بقلبه الى الله تعالى، متوكلاً عليه متيقناً بالإجابة، فينوي صلاة الحاجة، ويكبر تكبيرة الإحرام، ويصلي صلاة الحاجة (ركعتين أو أربع ركعات) وينهي صلاته بالتسليم، ويرفع يديه إلى السماء لأنها قبلة الدعاء، ويدعو وهو في حالة احتياج وفقر وتضرع إلى الله تعالى بدعاء الحاجة الذي ذكرناه، ويسمي حاجته لتقضى له. فمن التزم بهذه التوجيهات فلن يخيب الله دعاءه، ولن يرد عبده صفر اليدين، ويقضي حاجته وييسر أمره.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. باسم عيتاني، وتمت مراجعة الإجابة من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض.

 

الشيخ د. باسم عيتاني من علماء لبنان، حاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005.
من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس، الشيخ عبد الرحمن الشاغوري، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، د. مصطفى البغا، د. وهبي الزحيلي، د. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية والإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن الترمذي، أبواب الوتر، باب ما جاء في صلاة الحاجة (479)، 2/ 344.
[2] حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (398).
[3] والأوقات المكروهة:
      • بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس.
      • وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح ويبدأ من بداية رؤية قرص الشمس إلى بروزها كاملاً (ما يقارب عشر دقائق).
      •  وقت استواء الشمس (أي قبيل دخول وقت صلاة الظهر بمقدار عشر دقائق تقريباً).
      •  بعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس.
      •  من اصفرار الشمس إلى وقت الغروب.

[4] رواه الترمذي في أبواب الدعوات (3578)، 5/ 569.