ما هي الوسائل المتاحة لفهم دقائق القرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي الوسائل المتاحة لفهم دقائق القرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

الحديث عن الوسائل المتاحة لفهم القرآن وتدبره، ليس معناه أن نُصيِّر المسلمَ مفسِّرًا، يفهم معنى كل آية، دون الرجوع لأقوال وتفاسير أهل العلم، أو أن نذكر له قواعد تفصيلية لكيفية التفسير ومعرفة المعاني؛ إنما المقصود ذكر بعض الأمور المعينة على الفهم الدقيق لأسرار القرآن، حتى تكون قراءته للقرآن مرتبطة دائمًا بالتدبر والفهم، وإزالة الحاجز الذي يحول بينه وبين التدبر الصحيح للقرآن الكريم، وبيان الوسائل الصحيحة التي يسير عليها لفهم القرآن فهمًا دقيقاً صحيحًا؛ لأن التفسير معناه: بيان مراد الله تعالى من كلامه.

و هاك أخي السائل بعض المعالم الإرشادية للطريق الصحيح لفهم دقائق القرآن:

المعلم الأول: الرجوع لكتب التفسير: احرص لفهم كلام الله تعالى أن ترجع لكتب التفسير، ولتكن بدايتك بالكتب التي تفسر القرآن بالقرآن؛ لأن أَولى مَن يفسّر القرآن هو القرآن نفسه، ثم بالسنة؛ فإنما نزل القرآن على المصطفى صلى الله عليه وسلم ليبيِّنه للناس؛ مصداق قول الباري سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ‌لِتُبَيِّنَ ‌لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44] ثم بأقوال الصحابة  لأنهم شاهدوا التنزيل وخَبروا أحواله، فلهُم من الفهم ما ليس لغيرهم ؛كما جاء عن ابن مسعود قوله: “والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلاّ وأنا أعلم فيمَن نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلمَ بكتابِ الله مني تناله المطايا لأتيته”. (1)

المعلم الثاني: النظر لسياق الآيات وسِباقها ولِحاقها: إذا أردت أن تفهم القرآن حق الفهم فلا تجعل نظرك منصبّاً للآية التي تقرؤها فقط، بل انظر إلى سياق الآية كلها، وما قبلها وما بعدها، وأيضًا ابحث عن معنى الآية في سورة أخرى، فما وجدته مجملًا في مكان، قد تجده مبيّنًا في مكان آخر، وما وجدته مختصرًا في مكان قد تجده مبسوطًا في مكان آخر، وهذا منهج قرآني أرشدنا الله تعالى إليه، بل ذم الله تعالى من يتمسك ببعض الآيات دون بعض، كأن يستشهد بالآيات المتشابهة ويترك المحكمة، فقال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُ‌ونَ بِبَعْضٍ} [البقرة من الآية:85]، وقال أيضاً: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران من الآية:7]. ومن أمثلة ذلك، قوله تعالى في سورة البقرة: {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّ‌بِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] فلم يُذكَر في سورة البقرة ما هي هذه الكلمات، لكن ورد ذكرها في سورة الأعراف في قوله تعالى: {قَالَا رَ‌بَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ‌ لَنَا وَتَرْ‌حَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِ‌ينَ} [الأعراف:23].

المعلم الثالث: معرفة أسباب نزول الآيات: فالسبب يعطي بياناً واضحاً في أحوال وملابسات نزول الآيات والسور.  ومن أمثلة ذلك، ما جاء عن السيدة عائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، قَالَتْ: ‌الْحَمْدُ ‌لِلَّهِ ‌الَّذِي ‌وَسِعَ ‌سَمْعُهُ ‌الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1].(2)

المعلم الرابع: معرفة اللغة العربية: فالقرآن نزل بلسان العرب، وفَهْمُه حقّ الفهم يتطلب معرفةً باللغة العربية، ومعرفةُ عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها. وقد سمع أعرابيّ ابن عباس وهو يقرأ: ﴿ ‌وَكُنْتُمْ ‌عَلَى ‌شَفَا ‌حُفْرَةٍ ‌مِنَ ‌النَّارِ ‌فَأَنْقَذَكُمْ ‌مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103]  فقال: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يدخلهم فيها؛ فقال ابن عباس: خذها من غير فقيه. (3)

المعلم الخامس: الاشتغال بالأهم عن المهم، وبالمهم النافع: فلا تطلب وأنت تبحث عن فهم كلام الله تعالى، معرفةَ بعض التفاصيل التي لا يضرُّ الجهل بها كما لا ينفع العلم بها؛ وليكن ذهنك منصبًّا للمفيد لك، فماهي الفائدة التي تجنيها لو علمت عدد الدراهم التي بيع بها يوسف عليه السلام مما جاء في قوله تعالى: ﴿‌وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ [يوسف: 20] وما هي الفائدة المرجوة أن تشغل نفسك بنوع كلب أصحاب الكهف الوارد في قوله تعالى: ﴿وَكَلْبُهُمْ ‌بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ [الكهف: 18] وغير ذلك من التفاصيل التي ذكرها القرآن عامة؟

المعلم السادس: القرآن الكريم كلام الله تعالى: تفكر وأنت تقرأ القرآن، أن هذا المقروء هو كلامُ مَن له مُلكُ السماوات والأرض، وتأمل في الرسائل التي يحملها، سواء أكانت أوامرَ أو نواهي، وتخيل بأنها موجهة إليك من رب الناس ملك الناس إله الناس، واستغفر إن بدر منك تقصير ما في تطبيقها، وإذا مررت بآية رحمة، كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّ‌بُونَ} [الواقعة:10-11] استبشِر واسأل ربك أن تكون منهم ، وإذا مررت بآية عذاب، كقوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‌} [الأحزاب: 66] أشفِقْ وتعوّذ بالله من أليم عذابه. وإذا مررت بآية فيها دعاء تضرَّعَ، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَ‌بَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّ‌يَّاتِنَا قُرَّ‌ةَ أَعْيُن} [الفرقان:74]، فاسأل الله تعالى ذلك أيضاً.

المعلم السابع: التفكر في العلاقة بين الآيات، وأسماء الله الحسنى التي وردت فيها: فإنّ كثيرًا ما تُذيَّلُ الآياتُ باسم من أسماء الباري سبحانه وتعالى، والتعرُّف على العلاقة بين المعنى الوارد في الآية، ومعنى الاسم الذي وردت فيه، يفتح آفاقاً واسعة من الفهم لكلام الله تعالى. ذكر الطيبي عن الأصمعي، أنه كان يقرأ قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}  [المائدة:38]،فأخطأ الأصمعي في القراءة، وقرأ: (والله غفور رحيم) وبجنبه أعرابي، فقال كلام من هذا؟ قلت كلام الله، قال: ليس هذا كلام الله!! فانتبهت فقرأت (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال: أصبت هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، قلت: من أين علمت؟ قال: يا هذا ‌عزّ ‌فحكَم ‌فقطَع، ولو غَفَرَ ورحمَ لَما قَطَع. (4)

المعلَم الثامن: ترديد الآيات: مِن أنفعِ الوسائل المعُينة على تدبر القرآن: ترديد الآيات؛ فهو السبيل إلى استدرار كنوز القرآن وأسراره؛ فقد قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] حَتَّى أَصْبَحَ… آية واحدة يُرَدِّدُهَا طوال الليل. وقال بِشْر بن السَّرِي: «إنما الآية مثلُ التمرة؛ كلَّما مضغتَها استخرجت حلاوتها”. (5)

المعلم التاسع: أن تَعلم أنّ لُبُّ العبادةِ وحياةُ القلبِ، مصدرُها الأول: كتاب الله، الذي جعله الله روحًا وحياةً ونورًا، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] فلا غَرْوَ أنْ يجدَ المؤمنُ حياةَ قلبِه في ‌تدبر ‌القرآن؛ لأنَّه يتذوقُ بتلاوتِه المتأنية حلاوةَ المناجاة لكلامِ ربِّه، فيعيشُ في آفاق الآيات التي يسري رَوْحُها في خلجاتِ قلبه، فيجد حينها لقلبِه حياةً أخرى، ولقراءته لذَّةً لا يَصِفُها لسانُه، ولا تُدوِّنها أقلامُه، وذلك لعظمةِ الخطاب الرباني وروعةِ جماله الذي يَسلُبُ عقلَ المتدبرِ فترِقُّ نفسُه، ويَلُفها سكينةً وخشيةً، فيتجلى للقلبِ مِن المعاني ما يَفيضُ نورًا وغيثًا يُضفي على القارئ جلالًا وجمالًا. (6)

المعلم العاشر: العيش مع القرآن: مِن الْمُعِيناتِ على فهم دقائق القرآن: العيشُ معه، والفرحُ به، وقراءتُه بروح الاستبشار والشعور بالفضل، فمَن رَامَ فَهْمَ القرآن؛ فليقرأه قراءة فرح واستبشار؛ فإنَّ ذلك مِن أعظم دواعي التدبر، قال تعالى واصفًا عبادِه المؤمنين: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57، 58]

والعيشَ مع القرآن بالتدبر، مفتاحُ استقامة القلب، فلا شيء يَعْدِلُ العيش مع القرآن في تثبيتِ القلب وإرساءِ دعائمه، وهذا ليس لكلِّ قارئ، بل لمن كان هَمُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: متى أتَّعِظُ بما أتلوه؟ ولم يكنْ مرادهُ: متى أختمها؟ مرادهُ: متى أعقل عنِ الله الخطاب، متى أزدجر، متى أعتبر؟ لأنَّ تلاوة القرآن عبادة، والعبادة لا تكون بغفلة. (7)

ملحوظات تتعلق بتفسير القرآن:

لو علم النَّاس ما في قراءة القُرآن بالتدبر؛ لاشتغلوا بها عنْ كلِّ ما سواها، فمن قرأه بتفكر حتى مَرَّ بآيةٍ وهو محتاجٌ إليها في شفاءِ قلبه، فاليكررْها ولو مائة مرة، ولو ليلةً كاملة؛ فقراءة آيةٍ بتفكّر وتفهُّم خيرٌ مِن قراءةِ ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حُصُولِ الإيمان وذوقِ حلاوة القرآن؛ لأن قراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب.

 تفسير القرآن مقام خطير؛ لأنه كما قال مسروق: “اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله”. (8)
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار». (9)

 فهم دقائق القرآن يعني التأمل في معانيه، وتحديقُ الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك، فهو يتجاوز ظواهر الألفاظ، ويسعى لفهم الرسائل العميقة التي تحملها كلمات القرآن وآياته، كما يتضمن البحث عن الحِكَم والإرشادات في طيات الآيات.

– فهم دقائق القرآن يستجيش القلوب، ويزيل الغِشاوة عنها، ويفتح نوافذها، ويسكب النور فيها، ويحرك المشاعر، وينشئ حياةً للروح تنبض بها وتُشرق وتستنير. (10)

– فهم دقائق القرآن، يحثّ المؤمن على التأمل والتفكر في العلاقة بين الآيات، ومسيرةِ المؤمن في حياته اليومية، وهذا ينعكس بدوره على تطبيق مبادئ القرآن؛ فيظهر أثر القرآن في سلوك المسلم وتصرفاته.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: «لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ، كَهَذِّ الشِّعْرِ، ‌وَلَا ‌تَنْثُرُوهُ ‌نَثْرَ ‌الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، ولا يَكنْ هَمُّ أَحَدِكم آخر السورة. (11) ومعنى (لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ): أي لَا تعجلوا فِي التِّلَاوَة. والدَّقل: هو التمر. والدقل من التَّمْر أَو أَكْثَره لَا يلصق بعضه بِبَعْض فاذا نثر خرج سَرِيعًا وتفرق وانفردت كل تَمْرَة عَن صاحبتها، شبّه قِرَاءَته لِلْقُرْآنِ بذلك لهَذِّهِ إياه. (12)

كان من صفات الخوارج الذين ذمهم المصطفى صلى الله عليه وسلم أنهم: ” يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ‌لَا ‌يُجَاوِزُ ‌تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ”. (13)

وقال الإمام الزركشي: تُكره قراءة القرآن بلا تدبر، وعليه حُمِل حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “لا ‌يَفْقَهُ ‌من ‌قَرَأ ‌القرآنَ ‌في ‌أقلَّ ‌مِنْ ‌ثلاثٍ”. (14)

 لقد فهم سفيان بن عيينة من قول الله عز وجل: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف: 146] فقال: سأنزَع عن قلوبهم ‌فهم ‌القرآن”. (15)

قال أحمد بن أبي الحواري: «إني لأقرأ القرآن فأنظرُ في آيةٍ منه فيَحَارُ عقلي فيها، وأَعْجَبُ مِن حُفَّاظِ القرآن! كيف يُهنْيِهِمُ النوم، ويُسيغهم أنْ يشتغلوا بشيءٍ مِن الدنيا، وهم يتكلمون كلام الرحمن؟ أَمَا لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتلذَّذُوا به، واسْتَحْلَوا المناجاة به؛ لذهبَ عنهم النومُ فرحًا بما رُزِقُوا ووُفقوا”. (16)

وأنشد ذو النون المصري:

مَنَعَ القُرَانُ بِوَعْدِه وَوَعِيدِهِ … مُقَلَ الْعُيُونِ بِلَيْلِهَا لَا تَهْجَعُ
فَهِمُوا عَنِ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ كَلَامَهُ … فَهْمًا تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعُ

– وأخيراً

أيها السائل الكريم: حاول أن تطبق هذه المعالم العشرة التي ذكرتها لك، فالقرآن كثير البركات والخيرات، واستكثر قد طاقتك من تدبره حال نشاطك، تدبر في زواجره وأوامره، نظِّم حياتك به، وسترى الفرق بنفسك. وتذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا يَعُّدون القرآن الكريم رسائل من الله تعالى يقرؤونها في صلاتهم بالليل ويطبقونها بالنهار، وكانوا لا يتعدّون عشر آيات حتى يتعلَّمُوها، ويفهموا ما فيها، ثم يعملوا بها، فأوتوا العلم والعمل معاً … فصاروا بذلك أفضل الأمم.

وأنصح السائل للاستزادة من البحث حول تدبر القرآن الرجوع لبعض الكتب ومنها: “الخلاصة في تدبر القرآن” خالد بن عثمان السبت، “فتح الرحمن في بيان هجر القرآن” محمد بن فتحي آل عبد العزيز، “حين يعتكف القلب” عبد الرحمن العقل، “تحقيق الوصال بين القلب والقرآن” مجدي الهلالي، والرجوع لكتاب التفسير الوجيز للدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): تفسير ابن كثير (1/7)؛ السيوطي: الإتقان في علوم القرآن (4/234).
(2): مسند أحمد (24195).
(3): ابن قتيبة الدينوري عيون الأخبار (2/149).
(4): ينظر: الطاهر بن عاشور التحرير والتنوير (2/281).
(5): ينظر: الزركشي: البرهان في علوم القرآن (1/ 471).
(6):  عبد الرحمن العقل: حين يعتكف القلب ص10.
(7): ينظر:  عبد الرحمن العقل: حين يعتكف القلب ص12؛ أخلاق حملة القرآن ص18.
(8): الطبري في تفسيره (1/ 87)؛ وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 511)؛ تفسير ابن كثير (1/13).
(9): مسند أحمد (2069)؛ مصنف ابن ابي شيبة (32098) ورواه موقوفا على ابن عباس.
(10): ينظر: سيد قطب: في ظلال القرآن (6/ 3297).
(11):  ابن أبي شيبة: المصنف (5/420)؛ البيهقي: شعب الإيمان (2/360).
(12):ابن قتيبة: غريب الحديث (2/254).
(13):صحيح البخاري (3610).
(14):ينظر: سنن أبي داود (1394)؛ الزركشي: البرهان في علوم القرآن (1/ 445)؛ محمد آل عبد العزيز: فتح الرحمن في بيان هجر القرآن ص208؛ غانم قدوري: محاضرات في علوم القرآن ص96.
(15):ابن أبي الدنيا: الزهد (308).
(16): أبو عبد الرحمن السلمي: طبقات الصوفية ص94.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.