ما هي الديون التي تحْذَف أو تزاد من جهة المدين والدائن في الزكاة؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما هي الديون التي تحْذَف أو تزاد من جهة المدين والدائن في الزكاة؟

الجواب

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، صلى االله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإن ثالث أركان الإسلام الزكاة و قد جاء الأمر بها مقرونا بالصلاة في كثير من الآيات القرآنية و قد جعل لها الشارع شروطا خاصة مما يدل على أهميتها و عظيم شأنها

وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة ومن امتنع عن إخراجها بعد أن وجبت عليه فقد ارتكب كبيرة وإثما عظيما وهي دين في ذمته، ﴿وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ﴾ [البقرة ١١٠]

و عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ”([1])
ومن شروط وجوبها ملكيّة النصاب، فمن لم يملك نصابًا لم تجب الزكاة عليه ،

ومما يؤثر على الملكية التامة للنصاب وجود دين على مالك النصاب أو لمالك المال ؟

فهل يجب على مالك النصاب أداء الزكاة و إن كان بعض هذا المال دينا في ذمته أم لا ؟

وقبل ذكر أقوال الفقهاء في ذلك يجب توضيح المراد بالدين في اصطلاح الفقهاء فقد ذهبوا فيه إلى مذهبين :

الأول: أن الدَّ ين(اسم لمال واجب في الذمة، يكون بدلاً عن مال أتلفه أو قرض اقترضه أو مبيع عقد بيعه أو منفعة عقد عليها من بضع امرأة –وهو المهر – أو استئجار عين)([2])

وعبر عنه بعضهم بــ (الدين الذي له مطالب من جهة العباد)([3])

و الثاني: وهو مذهب جمهور الفقهاء أن الدين يشمل جميع الديون المالية، سواء ما كان منها نظير عين مالية وما ثبت نظير منفعة، وما جاء ثبوته دون اعتبار مقابل له كالزكاة مثلاً، و هذا ، وهذا مذهب المالكية([4]) والشافعية([5]) و الحنابلة([6])

قال في مغني المحتاج : (ولا يمنع الدين وجوبها) سواء كان حالا أم لا، من جنس المال أم لا، لله تعالى كالزكاة والكفارة والنذر أم لا([7])

صورة المسألة :

إذا ملك شخصٌ مالاً و بلغ نصابا، وكان على صاحب هذا المال دين بمقدار النصاب، أو عليه دين أقل منه ولكن الزائد على الدين لا يساوي نصابًا، فهل نلزمه بأداء الزكاة عن المال الذي بيده، ولا نعتبر وجود الدين عليه مؤثرًا في النصاب؟

أم نجعل هذا الدين مؤثرًا في النصاب فنُسقط عنه الزكاة في المال الذي بين يديه؟ إذا زاد المال على قدر الدين وكان الزائد نصابًا. فتجب الزكاة على الزائد قطعًا؛ لعدم وجود دين على هذا الزائد من المال، فلا يوجد شيء يؤثّر في النّصاب، أمّا المال الذي يقابل الدين فهو الذي وقع فيه الخلاف بين أهل العلم في اعتباره مؤثرًا أم غير مؤثّر؟:

اختلف الفقهاء في هذه الصورة على ثلاثة أقوال:

القول الأول : الدّ ين يمنع الزكاة، إلا في الزروع والثمار.وهو مذهب الحنفية([8]).

القَوْلُ الثَّاني: يمنع الدين وجوب الزكاة في المال الباطن وهو الذهب والفضة وعروض التجارة، ولا يمنع في المال الظاهر كالماشية والثمار.وهو مذهب المالكية([9])

القَولُ الثالث: الدَّ يْنُ لا يمنعُ الزكاةَ مطلقًا.وهو المعتمد عند الشافعية([10]).

يقول ابن رشد رحمه الله (والسبب في اختلافهم: اختلافهم هل الزكاة عبادة؟ أو حق مرتب في المال للمساكين؟ فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدين لان حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين لا الذي المال بيده.

ومن قال هي عبادة قال: تجب على من بيده مال لان ذلك هو شرط التكليف، وعلامته المقتضية الوجوب على المكلف سواء كان عليه دين، أو لم يكن، وأيضا، فإنه قد تعارض هنالك حقان: حق لله، وحق للآدمي، وحق الله أحق أن يقضى)([11])

و الحالة الثانية :هل يجب عل الدائن أداء زكاة الأموال التي قد استقرضها أحد منه ؟

الدين مملوك للدائن ، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء :

وذهب جمهور العلماء إلى أن الدين الحال قسمان:

دين حال مرجو الأداء ،

ودين حال غير مرجو الأداء .

أما الأول وهو الدين مرجو الأداء : هو ما كان على مقر به باذل له ، ففيه أقوال

1. فمذهب الحنفية، والحنابلة: أن زكاته تجب على صاحبه كل عام لأنه مال مملوك له ، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه ، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين([12])

2. ومذهب الشافعي أنه يجب إخراج زكاة الدين المرجو الأداء في نهاية كل حول ، كالمال الذي هو بيده ، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه([13])

3. وجعل المالكية الدين أنواعا :

فبعض الديون يزكى كل عام وهي دين التاجر المدير عن ثمن بضاعة تجارية باعها ،

وبعضها يزكى لحول من أصله لسنة واحدة عند قبضه ولو أقام عند المدين سنين ، وهو ما أقرضه لغيره من نقد ، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر ،

وأما الدين غير المرجو الأداء ، فهو ما كان على معسر أو جاحد أو مماطل ،

وفيه مذاهب :

1. فمذهب الحنفية فيه أنه لا زكاة فيه لعدم تمام الملك ؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به

2. و مذهب الشافعية : أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين ، لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون «» إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى .

3. وذهب مالك إلى أنه إن كان مما فيه الزكاة يزكيه إذا قبضه لعام واحد وإن أقام عند المدين أعواما

أما الدين المؤجل :

1. ذهب الحنابلة وهو الأظهر من قولي الشافعية : إلى أن الدين المؤجل بمنزلة الدين على المعسر ؛ لأن صاحبه غير متمكن من قبضه في الحال فيجب إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع السنوات السابقة .

2. ولم يفرق الحنفية والمالكية تفريقا بين المؤجل والحال .

و للتوسع في هذا المبحث الهام من مباحث الزكاة يراجع :

1. زكاة الديون المعاصرة د .عبدالـلـه عـيسى العـايضي،

2. زكاة الديون د . رفيق يونس المصري

3. الموسوعة الفقهية الكويتية : زكاة 23/226

4. الفقه الإسلامي و أدلته للزحيلي :3/806 و ما بعدها

نسأل الله أن يوفقنا لأداء ما افترضه علينا من الحقوق و أن يتقبل منا إنه سميع مجيب

 

([1]) أخرجه البخاري (8) ومسلم (16)
([2]) شرح فتح القدير :5/431
([3]) حاشية ابن عابدين 2 / 5 ـ 6
([4]) شرح مختصر خليل 2/164
([5]) مغني المحتاج 2/461 نهاية المحتاج 3/130
([6]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 3/39
([7]) مغني المحتاج 2/461
([8]) المبسوط للسرخسي2/160 بدائع الصنائع 2/6 حاشية ابن عابدين 2/260
([9]) مواهب الجليل 3/197 شرح مختصر خليل 2/202
([10]) روضة الطالبين 2/197 مغني المحتاج 2/461
([11]) بداية المجتهد لابن رشد 1/197
([12]) المغني 3 / 46
([13]) حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي 2 / 40

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.