ما هي التلبينة؟ وهل يثاب المسلم إذا تناولها أو غيرها من الأطعمة التي وردت في السنة؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي التلبينة؟ وهل يثاب المسلم إذا تناولها أو غيرها من الأطعمة التي وردت في السنة؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

التَّلْبينة:

غذاء لطيف، وهو عبارة عن حِساء يُعْمل من دَقيق أَو من نُخالة، ويُجعل فِيهَا عَسل؛ سُمِّيت تَلْبينة تَشْبيهاً لَهَا باللّبن، لبياضها ورقّتها. (1)

والتلبينة توصف للمريض، والمحزون على فقد أحد أحبابه، أومن يعز عليه. (2)

روى البخاري عَنْ ‌عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ ‌التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ‌التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ.». (3) قوْله: «مُجِمّةٌ»، أَي: يسرو عَنهُ همه. أي: أنَّ التلبينة تقوِّيه وتُنشطه، وذلك أنها غذاءٌ فيه لطافةٌ سهل التناول على المريض، فإذا استعمله المريض اندفعت عنه حرارة الجوع، وحصلت له القوة الغذائية من غير مشقَّة تلحقه فيُسرَّى عنه بعض ما كان فيه، ويَنشَط، ويذهب عنه الضيق والحزن الذي كان يجده بسبب المرض، وإنما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تصنعها لأهل الميت وتَثْرُدَ فيها؛ لأن أهل الميت شغلهم الحزن عن الغذاء فاشتدَّت حرارة أحشائهم من الجوع والحزن، فلما أطعمتهم ‌التلبينة انكسرت عنهم حرارة الجوع، فخف عنهم بعض ما كانوا فيه. ولا يلزم من فعلها ذلك لهؤلاء أن يُفعل بالمريض كذلك فيثرد له فيها، وإنَّما ذلك بحسب الحال. (4)

وعَنْ ‌عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، أَنَّهَا «كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ: ‌هُوَ ‌الْبَغِيضُ ‌النَّافِعُ.». (5)  وسميت التلبينة بـ (الْبَغِيضُ ‌النَّافِعُ): لِأَن الْمَرِيض يكره الْغذَاء والدواء وَهُوَ نَافِع لَهُ لإِقَامَة رمقه وتقوية نَفسه وَصَلَاح مزاجه». (6)

وهناك أطعمة أخرى ذكرتها السنة وبيّنت فوائدها ومنها:

روى البخاري عَنْ ‌خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ‌ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، فَقَالَ: لَنَا عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا، ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ، فَإِنَّ ‌عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «‌إِنَّ ‌هَذِهِ ‌الْحَبَّةَ ‌السَّوْدَاءَ ‌شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا مِنَ السَّامِ». قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ”. (7)

وعَنْ ‌أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ: ‌اسْقِهِ ‌عَسَلًا، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: ‌اسْقِهِ ‌عَسَلًا، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: فَعَلْتُ، فَقَالَ: صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، ‌اسْقِهِ ‌عَسَلًا، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.». (8)

وعَنْ ‌سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌الْكَمْأَةُ ‌مِنَ ‌الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ». (9)

وعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قال: ” سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (‌من ‌تَصَبَّحَ ‌بِسَبْعِ ‌تَمَرَاتٍ، عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليوم سم ولا سحر”. (10)

أمّا الشق الثاني من السؤال: هل يثاب المسلم إذا أكل أمثال هذه الوصفات النبوية؟

الجواب:

الأصل أن هذه الأطعمة وأمثالها مباحة، وفعل المباح لا يثاب فاعله بغير نية، أما لو صَنع المسلم التلبينة، أو تصبّح بسبع تمرات…، تصديقاً وإيماناً بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صادق فيما يُخبر به، وأنه لا ينطق عن الهوى، مصداق قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ ‌عَنِ ‌الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3-4] فإنه يثاب على التصديق لا على الأكل. وكذلك لو أكل هذه الأطعمة حباً بالنبي صلى الله عليه وسلم، كونه ذكرها وأخبر عنها، فإنه يثاب على المحبة لا على الأكل، لأن الأطعمة التي أحلها الله تعالى تدخل في حيز الإباحة والمباح لا يثاب على فعله بغير النية الصالحة. وكذلك القول في أكل العسل لو أكله تصديقاً بكتاب الله تعالى الذي قال فيه: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ ‌شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 69] فإنه يثاب على التصديق والإيمان بكتاب الله تعالى.

وعلى الجملة:

فالتلبينة غذاء لطيف لا ضرر فيه غالبًا، فلذلك نبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه.

وأخيراً:

على المسلم وهو يطبق إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم، سواء في مأكله وملبسه، وجميع أحواله، أن يستحضر أثناء ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يرشد أمته لهذا، ويتذكر شفقته على هذه الأمة ورحمته بها..، وأن يفعل ذلك حباً بالنبي صلى الله عليه وسلم وشوقاً له، ولا يبقى المسلم دائماً يعيش في حيز الأوامر والنواهي والبحث عن الأجور، فتغيب عنه معاني الشوق والحب لهذا النبي الكريم، الذي حُبُّه عبادة وقربة يتقرب بها العبد من ربه سبحانه. والله تعالى أعلم

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):  الأزهري، تهذيب اللغة 15/262؛ الزمخشري، الفائق في غريب الحديث (3/299).
(2): ينظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري (9/397).
(3): صحيح البخاري (5417).
(4): ينظر: القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (5/607).
(5): صحيح البخاري (5690).
(6): ينظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 99).
(7): صحيح البخاري (5687).
(8): صحيح البخاري (5684).
(9): صحيح البخاري (4478).
(10): صحيح مسلم (2047).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.