ما هي الأسئلة التي يجب أن أطرحها على من أنوي الزواج به؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما هي الأسئلة التي يجب أن أطرحها على من أنوي الزواج به؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأسرةُ المسلمة من أفضلِ ما حرص الإسلام على وجودِها ورعايتها والحفاظ عليها؛ لأنَّ المجتمعَ المسلم ما هو إلا جماعُ هذه الأسرةِ، وبناؤه مرهون بوجودِها القوي السليم، المؤدي إلى قوةِ البنيان الاجتماعي وتقدمه.

وإذا كان اختيارُ الزوجة الصالحة ضروريًّا وهامًّا؛ لأنها المدرسة الأولى للنشء، فإَّن اختيارَ الزوج لا يقلُّ عن ذلك في الأهميةِ؛ لأنَّ الزوجَ هو ربُّ الأسرة، وهو القدوة للزوجة وللأبناء معًا، وهو قائدُ السفينة في بحر الحياة المتلاطم الأمواج.

قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]

إنَّ اختيارَ الزوج لا يقلُّ أهمية عن اختيارِ الزوجة؛ لأنه على أساس كل من هذين الاختيارين تنشأ نواةٌ جديدة في المجتمعِ، وهي الأسرة، ونظرًا لأهميةِ هذه النواة؛ فقد أولى الإسلامُ الحنيف جلَّ عنايتِه في وضعِ المعيار القويم، الذي يتمُّ بناءً عليه اختيار كل من الزَّوْجين، ومعيار اختيار الزوج معروفٌ لدى فقهاءِ الشريعة الإسلامية، بشرطِ الكفاءة بين الزوجين.

معيارَ اختيار الزوج:

أجمع الفقهاءُ المجتهدون على أنَّ معيارَ اختيار الزوج أو الكفاءة يتمثَّلُ في الدينِ؛ بمعنى التدين والتقوى،

والحكمةُ من هذا المعيارِ الأول لاختيارِ الزوج؛ هي أنَّ التقوى والصلاح من أعظمِ المفاخر، وأنَّ الصالحين الأتقياء يعيرون بمصاهرةِ الفُسَّاق.

وقد استدلَّ الفقهاءُ على هذا المعيار بالكتاب و السنة ،

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

و من السنة  قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ» ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ؟ قَالَ : «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ» – ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ([1])

ويحقُّ للمرأةِ مراعاةُ الصِّفات التي تُعين على استقرار الحياة الزوجية وسيرها بطريقةٍ حسنة، ولا حرج عليها في رفض الخاطب ولو كان صاحبَ دينٍ إذا لم يكن مناسبًا لها اجتماعيًا، أو لم ينشرح صدرُها له ولم ترغب به زوجًا لها، والمذمومُ شرعًا: تزويجُ الرجلِ لماله، أو منصبه، أو نَسَبِه، أو وظيفته، وهو غيرُ مرضيِّ الدِّين والخُلق.

ندَبَ الشَّرعُ المرأةَ إلى اختيارِ صاحبِ الخُلق والدِّين؛ لأنَّ الحياةَ لا تستقيم مع رقيقِ الدِّيانة أو سيء الخلق.

و(الدينُ والخُلقُ) وصفان رئيسان مهمان ينبغي على كلِّ طرفٍ أن يحرصَ على وجودِهما في الطرف الآخر.

روى ابنُ أبي الدنيا أنّه قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ : إِنَّ عِنْدِي ابْنَةً لِي وَقَدْ خُطِبَتْ إِلَيَّ فَمَنْ أُزَوِّجُهَا ؟ قَالَ : (زَوِّجْهَا مَنْ يَخَافُ اللَّهَ فَإِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا وَإِنْ أَبْغَضَهَا لَمْ يَظْلِمْهَا)

وقال الشعبي: (مَن زوَّج ‌كريمتَه ‌مِن ‌فاسقٍ: فقد قطع رحمَها).

ولذا ينبغي الاجتهادُ في اختيارِ الرجل الكُفء الذي يتمتَّع بالخلق الحميد، والدِّين القويم، والقدرة على تحمُّل الأمانة، وحفظ المرأة، وصيانتها، والوفاء بجميع حقوقها.

وهناك صفاتٌ وخصالٌ تنبغي مراعاتُها والنظر إليها عند الزواج إضافةً للدِّين والخلق.

ومن أهمها: الارتياح النفسي، والتوافق الفكري، وتقارب المستوى الاجتماعي والمادي، والصورة الحسنة، والتقارب في السن، والتقارب في البيئة والعادات والتقاليد، والسلامة من العيوب الخَلقية، وغير ذلك مما يباح طلبُه؛ فإنَّ التوافق والتقارب في هذه النواحي مما يعين على دوام العشرة، وبقاء الأُلفة.

ما أهمية هذا المعيار؟

إنَّ أهميةَ اختيار الزوج على أساسِ التدين تأتي من منطلق أنه يرتكزُ على مقوماتٍ ثابتة لا تتغير مع عوارض الحياة، فالتدينُ بمعنى التقوى والصلاح والأخلاق – من الأمورِ التي إذا تحلَّى بها الإنسانُ فإنها تظلُّ ملازمةً له مدى الحياة مهما طرأ عليه من عادياتِ الدهر، على العكس من الأمورِ الأخرى؛ كالمال مثلاً، الذي هو عرضةٌ دائمًا للتغيرِ من الزيادةِ إلى النقص، وربما إلى المحق بالمرة، بل إنَّ التدين والأخلاق هما سياجُ حمايةِ الإنسان من تقلباتِ الزمن التي تلحقُ بالأمورِ الأخرى، فإذا ما أُصيب الإنسانُ بالكسادِ في ماله، فإنَّ التدينَ خيرُ معينٍ له على التغلب على مثل هذه المحنة، و قد جمع بعض التربويين بعض الأسئلة التي يمكن للمرأة معرفة مدى توافقها مع هذا الخاطب الذي يريد الزواج بها مع التنبيه إلى عدم جواز خلوة المخطوبين ببعضهما طالما أنه لم يعقد عقد النكاح :

س1. ما مدى التزامك الديني؟ 

وكيف تتعرف على ذلك وتكشف الالتزام الديني؟ أن تبحث عن أهم شيء وهو: التقوى.. كلما ازداد التعرف على الطرف الأخر كلما كان القرار بالاختيار سهلا وميسراً،

س2. ما هو طموحك المستقبلي وما هدفك في الحياة؟ 

إنّ لكل إنسان أمنية في حياته يسعى لتحقيقها سواءً في المجال الاجتماعي أو الديني أو الأسري أو العلمي وغيره، ومن المهم في بداية التعارف بين الخاطب والمخطوبة أن تكون الرؤية المستقبلية للطرفين واضحة. وكلما كانت الرؤية واضحة كلما قل الخلاف بين الزوجين في المستقبل. أي هل الخاطب من النوع الذي ينظر إلى الماضي أم إلى الحاضر أم إلى المستقبل؟؟؟ وهل ينظر بشكل دائم إلى أحد الجهات الثلاثة؟ الصواب أن يستفيد الإنسان من ماضيه ويعمل لواقعه ويخطط لمستقبله.

س3. ما هو تصورك لمفهوم الزواج؟

هل إنجاب أم رحلات ونزهات أم ماذا؟ إن هذا السؤال من الأسئلة المهمة بين الطرفين، وذلك حتى يتعارف الطرفان على بعضهما أكثر،
تقول إحدى المتزوجات: فوجئت عندما عرفت أنّ مفهوم الزواج عند زوجي هو مجرد تحقيق رغباته الجنسية فقط، وأمّا أنا فلا احترام لي ولا تقدير وكل المسئوليات ملقاة علي. ويقول الزوج: كم فوجئت عندما علمت أنّ مفهوم الزواج عند زوجتي أنّه من أجل الأبناء، وأنا معها في مشاكل دائمة وإلى الآن لم يرزقنا الله الولد.
فمعرفة مفهوم الزواج عند الطرفين والحوار حوله من الأمور التي تساعد على الاستقرار الأسري مستقبلاً.

س4. ما هي الصفات التي تحب أن تراها في شريك حياتك؟ 

 فجميل أن يتحدث الإنسان عن مشاعره وما يحب وما يكره وأجمل من ذلك كله أن يكون مثل هذا الحوار قبل الزواج بين الخاطب والمخطوبة، حتى يستطيع كل طرف أن يحكم على الطرف الآخر إذا كان يناسبه من عدمه. ونقصد بالمحبوبات والمكروهات إلى النفس من السلوك والأخلاقيات والأساليب والمطعومات والهوايات وغيرها.

س5. هل ترى من الضروري إنجاب الطفل في أول سنة من الزواج؟ 

لعل البعض يعتقد أنّ هذا السؤال غير مهم، ولكن كم من حالة تفكك وانفصال حصلت بين الأزواج بسبب هذا الموضوع وخصوصاً إذا بدأ أهل الزوج أو الزوجة يضغطون على الزوجين في موضوع الإنجاب، ولكن على الزوجين أن يتفقا فيما بينهما على هذا الموضوع. وأن لا يكون سبباً من أسباب المشاكل الزوجية في المستقبل، ونحن لم نقل أنّ الأفضل الإنجاب في أول سنة أو التأخير وإنّما نترك هذه المسألة لاتفاق الخطيبين.

س6. هل تعاني من أي مشاكل صحية؟ أو عيوب خلقية؟

لا شك أنّ معرفة الأمراض التي يعاني منها الطرف الأخر لا قدر الله تؤثر في قرار الاختيار الزواجي، بل إن إخفاء المرض على الطرف الأخر يعتبر من الغش في العقد، فلا بد أن يكون ذلك واضحاً بين الطرفين

عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَوَضَعَتْ ثِيَابَهَا رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – : «الْبَسِي ثِيَابَكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ»([2]) .

س7. هل أنت اجتماعي؟ ومن هم أصدقاؤك؟

إنّ العلاقات الاجتماعية هي أبرز ما يميز الإنسان، ومهم أن يكون الإنسان اجتماعي الطبع يألف ويؤلف، يُحِب ويُحَب ومهم عند التعارف أن يتعرف على الطرف الأخر من الناحية الاجتماعية كمعرفة أصدقائه وقوة علاقته بهم. وهل هو من النوع الاجتماعي أو الانطوائي.

س8. كيف هي علاقتك بوالديك؟ (إخوانك، أخواتك، أرحامك).

إنّ معرفة علاقة الخاطب أو المخطوبة بوالديه وأهله أمر في غاية الأهمية وذلك لأنّه كما يقال إنّ الزواج ليس عقداً بين طرفين فقط، وإنّما هو عقد بين عائلتين، فالزوج لن يعيش مع زوجته بمفرده منقطعاً عن العالم من حوله، وإنّما سيعيشان معاً وكلما كانت العلاقة بالوالدين حسنة كلما بارك الله في هذا الزواج، وكتب لهذه العائلة التوفيق.

س9. بماذا تقضي وقت فراغك؟ وما هي هواياتك؟ 

 إنّ معرفة ما يحب الإنسان عمله في وقت فراغه دليل على شخصيته ومعيار لطموحه وأهدافه في الحياة ونظرته لمستقبله وشخصيته.

س10 ما رأيك لو تدخلت والدتي أو والدتك في حياتنا الشخصية؟

 إنّ هذا السؤال ينبغي أن يطرحه المقبل على الخطوبة، وذلك ليتعرف كل واحد منهما على الأخر في هذا الجانب ومدى حساسيته عنده، فيتفقا إذا اختلفا في وجهة النظر على سياسة في التعامل بينهما، وطريقة في حل الخلاف لو حصل تدخل من الوالد أو الوالدة أو حتى الجدة في علاقتهما الخاصة.

وختامًا:

فإنَّ أولَ ما تنظر فيه المرأة إذا تقدم رجلٌ لخِطبتها: دينُه وخُلقُه، فإن كان رقيقَ الديانةِ أو سيءَ الخلقِ: فلا ينبغي لها أن ترتبطَ به.

وإن كان مرضيًّا فيهما: نظرتْ في باقي صفاته وخصاله و خصائصه ، مِن حيث المستوى التعليمي والوظيفي والمالي، ونَسَبِه وخَلْقه، وغير ذلك، فلها أن تقبلَ ما تراه قريبًا منها متوافقًا معها، وترفض ما لا يناسبها.

مع النصيحة بعدم التعنُّتِ في الشروط والطلبات، والمبالغة في اعتبار الكمال، وغضِّ الطرف عن بعض النقص فيها إذا تحقق الدينُ والخلق؛ لأنّ عليهما مدارَ السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة.

نسأل الله التوفيق لكل الأزواج ليعيشوا حياة سعيدة على ما يرضي الله و رسوله و الحمد لله رب العالمين

([1]) أخرجه الترمذي (1085) والبيهقي (13611)
([2]) أخرجه الحاكم (6894)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.