ما هي الآداب المتعلقة بالمصحف الشريف؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي الآداب المتعلقة بالمصحف الشريف؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة، أنزله الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُخرج الناسَ به من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم؛ مصداق قول الله سبحانه وتعالى:

﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ‌لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]

والمصحف هو الكتاب الذي قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عنه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: “مثل الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ‌كَالْأُتْرُجَّةِ، ‌طَعْمُهَا ‌طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طيب، والذي لا يقرأ القرآن كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا ريح لها”. (1)

أما الآداب المتعلقة بالمصحف الشريف فهي كثيرة، منها:

1- أن يكون القارئ عند التلاوة واقعاً على هيئة الأدب والسكون، معظّماً للحال الذي هو عليه، متدبراً خاشعاً.

2-مراعاة حسن الحال عند تلاوته؛ بأن يكون القارئ طاهراً من الحدث الأصغر.

3- ترتيله كما أمر الله تعالى بقوله: ﴿‌وَرَتِّلِ ‌الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 4] فالترتيل حلية التلاوة، وحدُّه الأدنى: تبيين الحروف، وألاَّ يقع تداخل فيما بينها، وألاّ يحصل إخلال بأحكام التجويد المذكورة في كتب التجويد؛ كالاهتمام بمخارج الحروف وصفاتِها، وإعطاءِ الحروف حقَّها….

يقول إمام القراءة أبو عمرو الداني؛ مشيرًا إلى الصور المرفوضة في الأداء، والتي ينبغي أن ينأى عنها القراء: “لَيْسَ ‌التَّجْوِيدُ بِتَمْضِيغِ اللِّسَانِ، وَلَا بِتَقْعِيرِ الْفَمِ، وَلَا بِتَعْوِيجِ الْفَكِّ، وَلَا بِتَرْعِيدِ الصَّوْتِ، وَلَا بِتَمْطِيطِ الشَّدِّ، وَلَا بِتَقْطِيعِ الْمَدِّ، وَلَا بِتَطْنِينِ الْغُنَّاتِ، وَلَا بِحَصْرَمَةِ الرَّاءَاتِ، قِرَاءَةٌ تَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ، وَتَمُجُّهَا الْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ، بَلِ الْقِرَاءَةُ السَّهْلَةُ الْعَذْبَةُ الْحُلْوَةُ اللَّطِيفَةُ، الَّتِي لَا مَضْغَ فِيهَا وَلَا لَوْكَ، وَلَا تَعَسُّفَ وَلَا تَكَلُّفَ، وَلَا تَصَنُّعَ وَلَا تَنَطُّعَ، لَا تَخْرُجُ عَنْ طِبَاعِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ الْفُصَحَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ وَالْأَدَاءِ”. (2).

تنبيه: الترتيل مستحب لا لمجرد التدبر، فإن العجمي الذي لا يفهم معنى القرآن يُستحب له في القراءة أيضًا: الترتيل والتؤدة؛ لأن ذلك أقربُ إلى التوقير والاحترام وأشدُّ تأثيرًا في القلب من الهذرمة والاستعجال. (3)

4- تحسين الصوت بالقرآن، فإن الكلام الحسن يزيد حُسناً وجمالاً بالصوت الحسن، و تحسين الصوت بالقرآن سنةٌ أجمع عليها علماء الصحابة والتابعون لهم بإحسان؛ لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ” زَيِّنُوا ‌الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ”. (4)  ولقوله صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ ‌منَّا ‌مَنْ ‌لَمْ ‌يتغنَّ ‌بالقرآن”. (5) ولا بأس بقراءة القرآن بالألحان المعروفة؛ شريطة الالتزام بأحكام التلاوة التي ذكرها علماء التجويد؛ بألاّ تطغى الألحان على الأحكام؛ فيتحرَّف القرآن بتمطيطِ الحروف وترعِيدها…

5- التعظيم للمتكلم؛ فالقارئ عند افتتاح التلاوة ينبغي أن يستحضر في قلبه، عظمة المتكلِّم سبحانه وتعالى، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر؛ ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نَشَرَ المصحف غُشيَ عليه ويقول: “هو كلام ربي هو كلام ربي”. (6)

6- حضور القلب وترك حديث النفس؛ بأن يكون متجرداً له عند قراءته، منصرفَ الهمة إليه عن غيره. قيل لبعضهم: إذا قرأت القرآنَ تُحدِّث نفسك بشيء؟ فقال: أَوَ ‌شيءٌ ‌أحبُّ ‌إليَّ ‌من ‌القرآن ‌حتى ‌أحدِّثُ ‌به ‌نفسي؟!

7- إكرام المصحف وعدم إهانته؛ بوضعه أو قراءته في الأماكن المستقذرة؛ كالحمامات وأمثالها.

8- الإصغاء والاستماع عند قراءته؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ‌وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204] وقال الحسن البصري: “إذا جلست إلى القرآن فأنصت له”. (7)

9- إنزاله المنزل اللائق به، وعدم حرفه عن الغاية التي أُنزل من أجلها؛ كأن نَقْصُرَ تلاوته على الأموات، أوفي صالات التعازي عند الوفاة؛ فما لهذا أنزل القرآن الذي يقول الله تعالى فيه: ﴿‌كِتَابٌ ‌أَنْزَلْنَاهُ ‌إِلَيْكَ ‌مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29] وقال في حقه أيضاً: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ‌لِتُخْرِجَ ‌النَّاسَ ‌مِنَ ‌الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم: 1]

10- أن نغرس حب المصحف في نفوس أبنائنا وأهلينا، وأن نذكِّر به الأقربين، والأبعدين والناسِ أجمعين، وأن نبلِّغ دعوة الإيمان به إلى العالم،؛ امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم: ” ‌بَلِّغُوا ‌عَنِّي ‌وَلَوْ ‌آيَةً”. (8)

11- عدم أخذ أجرة على تعليمه، إلاَّ إنْ أَعوَزت الحاجة بعض المتفرغين لتعليمه.

12- عدم تمكين غير المسلمين من المصحف؛ إذا غلب على الظن أنه يمكن أن يتسبب ذلك بإهانته، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسافَر بالقرآن إلى أرض العدو وعلَّل ذلك فقال: “لَا ‌تُسَافِرُوا ‌بِالْقُرْآنِ. فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ”. (9)

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): صحيح البخاري (7121).
(2): ابن الجزري: النشر في القراءات العشر (1/213).
(3): ينظر: الغزالي إحياء علوم الدين (1/ 426 – 427).
(4): مسند أحمد (18516).
(5): صحيح البخاري (7089).
(6): ينظر:  الغزالي إحياء علوم الدين (1/281).
(7): ينظر: تفسير ابن أبي حاتم (8737)؛ تفسير ابن كثير (3/538).
(8): مسند أحمد (6486).
(9): صحيح مسلم (1869).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.