ما هي أهمية الاعتقاد باليوم الآخر؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هي أهمية الاعتقاد باليوم الآخر؟

الجواب

تتجلى أهمية الاعتقاد أو الإيمان باليوم الآخر من خلال ملاحظة عدة أمور، منها : أنه يتعلق بقضية الإيمان و الكفر، و من خلال كثرة ذكره في القرآن و كثرة اقترانه بالإيمان بالله تعالى، و من خلال ما يترتب عليه من ثمرات و نتائج عظيمة في حياة المؤمن ؛ كشعوره بالاطمئنان من عدم ضياع ثواب أعماله الصالحة ، و يقينه بتحقيق العدالة المطلقة يوم القيامة، و معرفته بحقيقة الدنيا، و مصيره بعد انقضائها ، مما ينعكس على أخلاقه و سلوكه فيها، و غير ذلك ، و الله أعلم

البيان و التفصيل : 

اليوم الآخر هو اليوم الذي ليس بعده يوم أبداً، حيث تتلاشى حدود الزمان، ويبقى الزمن المطلق، ويبدأ اليوم الآخر من البعث، أما نهايته، فإنه لا نهاية له.
و معنى الإيمان أو الاعتقاد باليوم الآخر:  الاعتقاد الجازم بِصِدْق كُلِّ ما أخبَر به اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز، أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا يكون بعد الموت، وما يكون بين يدي الساعة، ويشمل ذلك: ما يكون بين يدي الساعة؛ من أشراطها، وفتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، والصراط، والشفاعة، والجنة والنار، وما أعدَّ الله تعالى لأهلهما فيهما، وغير ذلك من الأمور الغيبية التي لا تخضع للتجربة أو المشاهدة بل السبيل إلى معرفتها و العلم بها -أولاً-  النقل أو النص الشرعي ، و هو ما يُعبر عنه في اصطلاح العلماء بـ ” الخبر الصادق “، كالآيات القرآنية أو في الأحاديث الشريفة الصحيحة المتواترة التي تفيد اليقين و القطع ، و التي يكفر منكرها و العياذ بالله تعالى.
ثم يأتي -ثانياً- دور العقل السليم الذي يقضي بضرورة وجود يومٍ آخر تتحقق فيه العدالة المطلقة، و يُحاسب الناس فيه على أعمالهم، و خاصة الظلمة الذين ماتوا و لم يقدر أحد على حسابهم.

و من هنا ندرك أهمية الاعتقاد باليوم الآخر:

فهو -أولاً-  يتعلق بمسألة “الإيمان و الكفر” ؛ لأنه ركن من أركان الإيمان التي ورد الأمر بالإيمان بها عن طريق الخبر الصادق كما ذكرنا ، يقول الله عز وجل : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾[النساء: 136]. و كما قال تعالى في شأن المجرمين: ” ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾[المدثر: 42- 48].

– و جاءت السنة الشريفة الصحيحة لتؤكد هذا الأمر و تُبين أركان الإيمان و وجوب الإيمان بها، كما في حديث جبريل عليه السلام الذي سأل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال له: “أخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”(1) رواه مسلم ، و غير ذلك من الأحاديث الكثيرة

وثانياً – يكفي أن نعلم  في بيان عظيم أهميته ، أن الله تعالى قد ذكره في القرآن أكثر من ثلاثمائة مرة في مواضع متفرقة و مواضيع شتى ، بالإضافة إلى كثرة اقترانه بالإيمان بالله تعالى . والأحاديث في ذلك -أيضاً- أكثر من أن تحصى.
و ثالثاً –  تظهر أهمية الإيمان به -أيضاً- من خلال ما يترتب على ذلك من ثمرات عظيمة في حياة الإنسان ، و منها :
1 – الشعور بالاطمئنان من عدم ضياع ثواب الأعمال الصالحة: مما يدفع المؤمن إلى العمل و الزيادة فيه ابتغاء مرضاة الله و ما أعده للمؤمنين من أجر عظيم
2 – الشعور والاطمئنان – أيضاً – بتحقيق العدالة المطلقة بين جميع الخلائق: والاقتصاص من الظلمة والمتكبرين والمتجبرين في الدنيا، حتى يمتد الأمر إلى القصاص بين الحيوانات.
يقول الله تعالى : ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر16-17]
وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أن رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أهْلِهَا يَومَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». رواه مسلم. (2)
3- تقويم السلوك و تصحيح التصرفات بالنسبة للمؤمنين: و بعبارة أخرى : تقوية الرقابة الإلهية أو الوازع الديني و محاسبة النفس
4 – معرفة حقيقة الدنيا و علاقتها بالآخرة
5 – إعطاء إجابات صريحة و صادقة عن أهم الأسئلة: التي تؤرق مضجع البشرية من غير المؤمنين، فمثلاً ما هو ” مصير الإنسان بعد الموت”، و مصير هذه الحياة الدنيا ؟ و إلى متى ستستمر و كيف ستنتهي ؟ و غير ذلك من الأسئلة المهمة و التي يكثر حولها التنبؤات والخرافات و النظريات .
 فهذه هي أهم أوجه بيان أهمية الإيمان باليوم الآخر و الله أعلم

بناء على ما سبق :

 أقول لك أيها السائل الكريم : إن معرفتنا بأهمية الإيمان باليوم الآخر؛ ينبغي أن تدفعنا إلى زيادة الإيمان به و بسائر الأركان، مع زيادة الأعمال و الطاعات، و مجاهدة النفس في البعد عن المعاصي و المنكرات، و أن نصحح مسار حياتنا، و نقوّم سلوكنا و أخلاقنا، و أن نبرّئ ذممنا من حقوق الناس، و أن نكون على استعداد لملاقاة ربنا سبحانه و تعالى في أي لحظة من لحظات حياتنا ، نسأل الله تعالى حسن الخاتمة لنا و لكم و لجميع المسلمين و الحمد لله رب العالمين.
المصادر و المراجع :
1- صحيح مسلم :[1\28] رقم الحديث ( 8 ) و ينظر أيضاً الأربعين النووي الحديث رقم 2
2- صحيح مسلم : [8\18] رقم (2582)

الشيخ عبد السميع ياقتي

هو الشيخ عبد السميع ياقتي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ