ما هي أقسام كتب التفسير؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
ما هي أقسام كتب التفسير؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قسَّم العلماء أهم كتب التفسير إلى ثلاثة أقسام:
كتب التفسير بالرواية: وتسمى كتب التفسير بالمأثور.
وكتب التفسير بالدراية: وتسمى كتب التفسير بالرأي.
وكتب التفسير بالإشارة: وتسمى كتب التفسير الإشاري. (1)
وقسّم بعضهم كتب التفسير من حيث منهجُها العلمي، إلى قسمين رئيسيين هما: كتب التفسير بالمأثور، وكتب التفسير بالرأي. (2)
القسم الأول: كتب التفسير بالمأثور
هي الكتب التي اشتملت على تفسير القرآن بالقرآن نفسه، وعلى تفسير القرآن بالسّنّة، وبالآثار عن الصّحابة والتّابعين.
ملحوظة: اختلف العلماء في ما تنقله كتب التفسير عن التابعين، فبعض العلماء يعتبره من المأثور وبعضهم يعتبره من القسم الثاني (التفسير بالرأي)، ولكن كتب التفسير بالمأثور قد ضمَّت ما نُقل عن التابعين في التفسير؛ ولذلك يمكن أن نعتبره مدرجاً في التفسير المأثور.
وكتب التفسير بالمأثور كثيرة من أبرزها على سبيل التمثيل لا الحصر:
1 – جامع البيان عن تأويل آي القرآن: للإمام أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ المتوفّى سنة (310 هـ)، ويعد من أفضل كتب التّفسير بالمأثور وأجمعِها، مع التّحرير والنّقد، ويمتاز بإسناد جميع الرّوايات من الحديث والآثار، كما يراعي اختلاف القراءات واللّغة.
2- تفسير القرآن العظيم: للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدّمشقيّ، المتوفّى سنة (774 هـ).
ويعد من أكثر هذه كتب التفسير بالمأثور تحرّيا وتحقيقا مع الاختصار والتّهذيب، ويبيّن درجات الكثير من الأخبار من جهة الثّبوت.
3- الدّرّ المنثور في التّفسير بالمأثور: للإمام الحافظ جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكر السّيوطيّ، المتوفّى سنة (911 هـ). ولا يكاد يوجد في هذا التّفسير غير الأحاديث والآثار، مخرّجةً معزوّةً إلى الأصول الّتي استفيدت منها.
من أمثلة التفسير بالمأثور:
أ- تفسير القرآن بالقرآن: تفسير قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ…﴾ [المائدة: 3] فهذه الآية بيان للفظ (مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) من قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1]
ب- تفسير القرآن بالمأثور عن النبي وأصحابه والتابعين: ما جاء في تفسير ابن كثير عند قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 199] فنقَل عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها قولها: ” كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يُسمَّون الحُمْسَ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام، أمر اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يُفيض منها؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)”. (3)ثم قال: “وكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة، والسدّي، وغيرهم، واختاره ابن جرير وحكى عليه الإجماع، رحمهم الله”. (4)
القسم الثاني: كتب التفسير بالرأي
التفسير بالرأي هو: تفسير القرآن بالاجتهاد اعتمادًا على العلوم والأدوات التي يحتاج إليها المفسّر، كعلوم اللغة، النحو والصرف والاشتقاق، و علوم البلاغة، وعلم القراءات، علم أصول الدين، وعلم أصول الفقه، والأحاديث المبينة للتفسير، مثل: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، أو ما فيه بيان لتفسير المجمل أو المبهم …، وعلم القصص، وعلم الموهبة، وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم، والإلمام بمسلّمات العلوم الحديثة.
أي هو تفسير القرآن بدلالة لغة القرآن، من خلال استعمالاتها في عرف أهلها، في نثرها وشعرها، والاجتهاد في إطار قواعد التفسير.
نماذج من مصنفات التفسير بالرأي
1-الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: تأليف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ).
2- أنوار التّنزيل وأسرار التّأويل: تأليف: القاضي الإمام ناصر الدّين عبد الله بن عمر بن محمّد البيضاويّ الشّافعيّ، المتوفّى سنة (685 هـ).
3- البحر المحيط: تأليف: الإمام أبي حيّان محمّد بن يوسف بن عليّ الغرناطيّ الأندلسيّ، المتوفّى سنة (745 هـ).
مثال لتفسير القرآن بالرأي:
تفسير قوله تعالى: (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 32] قال الزمخشري في تفسير الكشاف: “جعل أعمال الدنيا لعباً ولهواً واشتغالا بما لا يعني ولا يُعقب منفعة، كما تُعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة. وقوله: (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعبٌ ولهو. وقرأ ابن عباس رضى الله عنه: ولدارُ الآخرة. وقُرئ: تَعقلون بالتاء والياء. (5)
هذا وهناك أنواع أخرى لكتب التفسير منها: كتب التفسير الفقهي، وكتب التفسير الإشاري، وكتب التفسير اللغوي، وكتب التفسير المؤلفة في العصر الحديث. وقد تكلمنا عن التفسير الإشاري وكتبه حين أجبنا عن السؤال الذي يقول: هل التفسير الإشاري هو تفسير معتمد للقرآن وما هي أبرز كتبه؟ وللاختصار أحيل السائل إلى جواب ذلك السؤال، ونتحدث عن بقية الكتب.
أولاً: كتب التفسير الفقهي: وهي كتبالتفسير التي تُعنى بدراسة آيات الأحكام، وبيان كيفية استنباط الأحكام منها؛ حيث عمدت طائفة من أهل العلم إلى التّركيز على تفسير آيات الأحكام الّتي تشرح شرائع الإسلام وتبيّن الحلال والحرام. (6) وكتب التفسير الفقهي موزّعة على المذاهب الفقهيّة الثّلاثة: الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة.
ومن أبرز هذه التفاسير:
1- أحكام القرآن: تأليف: أبي بكر أحمد بن عليّ الرّازيّ الجصّاص الحنفي، المتوفّى سنة (370 هـ). وهو كتاب موضوع على طريقة الحنفيّة في الفقه.
2- أحكام القرآن: تأليف: الإمام أبي الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ الطّبريّ، الملقّب «الكيا» الهرّاسيّ، الشافعي، المتوفّى سنة (504 هـ). عُني فيه مؤلفه بتحرير قول الشّافعيّة في تفسير آيات الأحكام.
3 – أحكام القرآن: تأليف: الإمام المحقّق القاضي أبي بكر محمّد بن عبد الله الإشبيليّ المعروف بــ «ابن العربيّ» المالكي، المتوفّى سنة (543 هـ). اعتنى بمذهب الإمام مالك، وحرّر من أقوال أصحابه.
ثانياً: كتب التفسير اللغوية: وهي كتب قصدت إلى الاعتناء ببيان ما يتعلق بالقرآن نحواً وإعراباً، وبلاغة، كما وعُنيت بإظهار أنواع المعاني والبيان والبديع، كما أبرزت طائفةً من معانيه وغريبه من جهة ما عُرف عن العرب. (7)
ومن أبرز كتب هذا النوع:
1 – إعراب القرآن: تأليف: إمام النّحو أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النّحّاس، المتوفّى سنة (338 هـ). وهذا الكتاب أفرده مؤلّفه في إعراب القرآن والقراءات واختلافها، وأتى فيه على علوم من تَقدّمه في النّحو، فقرّبها وأوجزها، معزوّة إليهم بالعبارة.
2 – مشكل إعراب القرآن: تأليف: الإمام أبي محمّد مكّيّ بن أبي طالب القيسيّ القرطبيّ، المتوفّى سنة (437 هـ). هذا الكتاب اعتنى فيه مؤلفه بإعراب ما يشكل من كلمات القرآن فقط، لا جميع مفرداته، كما أنّه ألّفه لمن له حظّ من علم النّحو.
3 – إملاء ما منّ به الرّحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن: تأليف: الإمام أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبريّ الحنبليّ، المتوفّى سنة (616 هـ).
ثالثاً: كتب التفسير في العصر الحديث (المعاصرة): سبب تأليف هذا النوع من كتب التفسير:
أ- أن لغة التّفسير في العصور الماضية كانت أشبه بخطاب الخاصّة؛ حيث أن أغلب من ينتفع بها هم طلاب العلم الشرعي دون عوام الناس؛ لهذا كان لابد من كتب جديدة بلغة تتلائم مع واقع الناس.
ب- كما لاحظت كتب التّفسير المعاصرة مستجدّات هذا العصر وما يلامس حاجة المسلم اليوم؛ فقد كثرت الشُّبه التي أثارها المستشرقون وأذنابُهم في عصرنا هذا على القرآن؛ فكان لا بد أن ينبري من المسلمين من يرد عليهم بنفس أسلوبهم.
ج- كما أن العلم الحديث قد أوقف الإنسان على كثير من أسرار الخلق، ممّا يجد المفسّر ارتباطه بالقرآن ارتباطاً مباشرًا، بل إنّه ليُوقِفُ على حقائقَ لم يتهيّأ لمن سبق من المفسّرين الوقوف عليها؛ فظهرت كتب تُفسِّرُ هذه الحقائقِ وتبسِّطها للناس.
ومن أمثلة هذه الكتب:
التفسير الواضح: تأليف: الدكتور الشيخ محمد محمود حجازي. وهذا الكتاب هام وسهل لعامة القراء، ومفيد، يلائم بث روح النهوض في المسلم، وإيقاظ وعيه للعلوم والثقافات. (8)
هذا ولم تتوقف حركة التأليف في التفسير إلى الآن، ولن تتوقف؛ فقد ظهرت تآليف جديدة لتفسير القرآن الكريم منها: كتب التفسير الموضوعي، وكتب التفسير العلمي، وكتب التفسير المتعلقة بإعجاز القرآن، وكتب التفسير العام…، ولا عجب فهي تفاسير تتعلق بكتاب لا تنقضي عجائبه. (9)
وأنصح السائل للاستزادة حول الموضوع، بالرجوع للكتب التي اهتمت بمناهج المفسرين، ومن أهمها كتاب: “التفسير والمفسرون” للدكتور محمد السيد حسين الذهبي (ت ١٣٩٨هـ)، وكتاب: ”التفسير والمفسرون أساسياته واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث” لمؤلفه: الأستاذ الدكتور فضل حسن عبَّاس.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): الزرقاني مناهل العرفان في علوم القرآن (2/11).
(2): ينظر: نور الدين عتر علوم القرآن ص74؛ صبحي الصالح مباحث في علوم القرآن ص290-291.
(3): صحيح البخاري (4248).
(4): ينظر: تفسير ابن كثير (1/555).
(5): الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/17).
(6): ينظر: نور الدين عتر علوم القرآن ص103؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص368
(7): ينظر: المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص372.
(8): نور الدين عتر علوم القرآن ص112.
(9): وينظر: مناهل العرفان للزرقاني (2/12)؛ التفسير والمفسرون محمد السيد حسين الذهبي (1/115)؛ الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير محمد أبو شهبة ص85؛ علوم القرآن الكريم د. نور الدين عتر ص74؛ المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص331.
[الشيخ] أنس الموسى
هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.