ما هي أصول التشريع الإسلامي، وما الرابط بين كل منها بالآخر؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هي أصول التشريع الإسلامي، وما الرابط بين كل منها بالآخر؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أصول التشريع هي: الطرق والوسائل التي نتوصل بها إلى معرفة حكم الله تعالى، وتسمى: الأدلة الشرعية، أو أدلة التشريع، وتسمى أيضًا: أصول الشرع، أو ‌أصول ‌التشريع؛ لأن الأصل لغةً: هو ما يُبنى عليه غيره، ويستند إليه في تحقيق العلم ويرجع إليه.

ومصادر التشريع التي يَعتمد عليها العلماء لمعرفة أحكام الله تعالى كثيرة، وقد تصل إلى نيف وعشرين مصدرًا، أهمها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا والعرف وسد الذرائع.

وقد قسم العلماء أصول التشريع (مصادر التشريع) تقسيمات كثيرة باعتبارات مختلفة، وسأكتفي  بذكر أبرزها، وهو أصول التشريع من حيث الاتفاق عليها، والاختلاف فيها، وهي قسمان:

القسم الأول: مصادر متفق عليها بين جماهير أهل السنة والجماعة، وهي أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وتسمى مصادر أصلية.

القسم الثاني: مصادر مختلف فيها، وهي: الاستحسان والاستصحاب والمصالح المرسلة والعرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي وسد الذرائع. وتسمى مصادر تبعية؛ لأنها ترجع إلى الأولى.

وسأوضح المصادر الأصلية وأذكر العلاقة بينها بشيء من الاختصار، وأترك المصادر المختلف فيها للسائل يراجعها في كتب أصول الفقه.

المصادر المتفق عليها

أولاً: الكتاب: وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ليُخرج الناسَ من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، ويحتوي القرآن على الأحكام الشرعية والقواعد العامة التي تنظم حياة المسلمين؛ لهذا ينبغي للمسلم أن يرجع إليه أولاً ليأخذ منه الحكم الشرعي في أي مسألة تعرض له، فإن لم يظهر فيه الحكم الشرعي ينتقل للنظر في المصدر الثاني من مصادر التشريع وهو: السنة الشريفة.

ثانياً: السنة الشريفة: وهي: ما نقل عن رسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير،  فالسنة إما أن تكون قولية، أو فعلية، أو تقريرية.
وتعتبر السنة مصدرًا ثانيًا بعد القرآن الكريم، وتشتمل على فروع كثيرة، وزيادة تفصيل، ودقة في التنظيم التشريعي؛ لأنها جاءت شارحة للقرآن الكريم، ومفصِّلةً لقواعده الكلية التي جاءت في محكم آياته، ولذا يتحتم علينا الاعتماد عليها، والاهتداء بنورها، والاستعانة بها على فهم كتاب الله تعالى، ومعرفة الحكم الشرعي للقضايا التي لم يظهر في القرآن حكمها.

قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ‌لِتُبَيِّنَ ‌لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]

وقال أيضاً: ﴿‌فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]

فإن لم نجد الحكم الشرعي لقضية من القضايا لا في الكتاب ولا في السنة، ننتقل للمصدر الثالث من مصادر التشريع، ألا وهو الإجماع.

ثالثاً: الإجماع: هو اتفاق علماء الأمة الإسلامية في عصر معين على حكم شرعي.
وقد اتفق المسلمون على كون الإجماع حجةً شرعية، ومصدرًا من مصادر التشريع الإِسلامي في بيان الأحكام الشرعية، وأنه لا تجوز مخالفته؛ لأن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يجمع أمَّتي – أو قال: أمة محمد – على ضلالة، ويَدُ الله على الجماعة، ومن شَذَّ شَذَّ إلى النار». (1)

ويأتي الإجماع في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة، كما بين الشافعي رحمه الله في كتابه الرسالة.  كما ويعتمد الإجماع على القرآن والسنة كأساس له في معرفة الحكم. فإن لم يجد العلماء المجتهدون – من أهل الحل والعقد من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – حكم مسألة ما لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنهم يجتمعون لاستخراج حكم هذه المسألة مستأنسين بما تضمنه كتاب الله تعالى، وما تضمنته السنة المشرفة. يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: إذا سئل أحدكم فلينظر في كتاب الله، فإن لم يجده ففي سنة رسول الله، فإن لم يجد فلينظر فيما اجتمع عليه المسلمون، وإلا فليجتهد. (2) والاجتهاد ينقلنا للمصدر الثالث من مصادر التشريع، وهو القياس.

رابعاً: القياس: هو إلحاق حكم مسألة لم يرد فيها نص شرعي، بحكم مسألة ورد فيها نص، لتساويهما في العلة.
والقياس هو الدليل الرابع من الأدلة الشرعية التي اتفق جماهير المسلمين على الأخذ بها، واعتبروه مصدرًا رئيسيًّا من مصادر التشريع الإِسلامي. ويستخدم القياس لاستنباط الأحكام التي لم يرد بها نص في الكتاب والسنة. ويعتمد القياس على القرآن والسنة والإجماع في استنباط الأحكام للمسائل الجديدة، مما يضمن توافق الأحكام المستنبطة مع الأصول الشرعية. (3)

وأخيراً:

دين الإسلام يتميز بمتانته وشموليته، وهو دين علم ونور، ومعرفة وحجة، وتدبر ودراسة، وبرهان وتأمل، وتعقل وحوار، وتبيان وبلاغ. فالحمد لله أن شرفنا به.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): سنن الترمذي (2167).
(2): ذكره الغزالي في المستصفى (2/244)؛ والسرخسي في أصوله ( 1/ 295)، والعجلوني صاحب كشف الخفاء في الحديث (2999).
(3): ينظر لكل ما سبق: الرسالة للإمام الشافعي ص 599؛محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (1/130)- (1/183)- (1/227)- (1/237)، تاريخ التشريع الإسلامي مناع القطان، تاريخ التشريع الإسلامي عبد الوهاب خلاف.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.