ما هو سيد الاستغفار؟

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

ماهو سيد الاستغفار؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
      فعن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ. مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» [صحيح البخاري] [1] 

  • سيد الاستغفار

    للاستغفار صيغ عديدة، منها:

  • 1. أستغفر الله.
    وهذه كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولها إذا فرغ من صلاته ويكررها ثلاثاً، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا” [صحيح مسلم]. [2]

  • 2.  ومن صيغه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
    فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف» [سنن أبي داود والترمذي] . [3] 

  • 3. ومنها: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليك.
    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: “سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه” [متفق عليه] [4]
  • 4. ومن صيغه: أستغفر الله وأتوب إليه.
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» [صحيح البخاري]. [5]

إنما كان هذا الدعاء سيِّدَ الاستغفار لثلاثة أسباب:

1) لأن الدعاء به أجزل إثابة.
2) وأعجل إجابة.
3) ولِمَا اشتمل عليه من المعاني العظيمة.


* اللهم أنت ربي:
ربوبية الله: قيامه على عباده فهو خالقهم ومربيهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [يونس: 3].

* لا إله إلا أنت:
لهذه الكلمة المباركة أثر كبير في مغفرة الذنوب..

ولهذا توسَّل بها يونس عليه السلام في بطن الحوت، قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87].

وثبت عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً؛ فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ. فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟! فَقَالَ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ. فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كَفَّةٍ –ويجوز بكسر الكاف-، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتْ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ، فلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ» [ سنن الترمذي]. [6]

* خلقتني وأنا عبدك:
خلقتني: أوجدتني من العدم. وأنا عبدك قدراً وشرعاً.
تَجري عليَّ أقدارك، ولا حيلة لي في دفع ما قضيت به عليَّ، وأنا عبدك شرعاً، تأمرني بما شئت، وتنهاني عما شئت، فالحلال ما أحللت، والحرام ما حرَّمت، والدين ما شرعت.
وأشرف شيء للإنسان أن يكون عبداً لله؛ فلا انفكاك للعبد من رتبة العبودية؛ فإما أن يكون عبدا لله، أو للشيطان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۞ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس: 60، 61].

* وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت:
على عهدك: ما عَهِدت به إلينا من الطاعات ووجوب الكف عن المحرمات. فالمعنى: أنا مقيم على هذا، مستقيم على شرعك ودينك،
وقوله: ((ما استطعت)) لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ووعدك: هو ما ورد في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۞ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].

* أعوذ بك من شر ما صنعت:
 أعوذُ: أَلجأُ. و يستعيذ المسلمُ بالله من شرِّ ما يصنع لأنه لا عاصم مما يسخط الله من الشر والفساد إلا الله.
قال تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 178]
وفي السنن كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال: «الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا». [7]

* أبوء لك بنعمتك عليَّ:
باءَ بِذَنْبِهِ : أقَرَّ بِهِ، اِعْتَرَفَ بِهِ
 الاعتراف بالنعمة من شكر الله، فالشكر يكون بثلاثةٍ: بالاعتراف بها باطناً، والتحدُّث بها ظاهراً، وتسخيرها في مرضاة مسديها. فكل نعمة إنما هي من الله.
﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله [النساء: 79].
﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله [النحل: 53]

* وأبوء لك بذنبي:
الاعتراف بالذنب سبب لتكفيره.
قال سبحانه و تعالى عن يونس عليه السلام: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء: 87].

* فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت:
هذه الجملة مشتملة على شيئين من أسباب مغفرة الذنوب:

  1. الأول: الدعاء بالمغفرة.
    قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110].
  2.  والثاني: الاعتراف بأنه لا يغفر الذنب أحد سوى الله.
    قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135].
    وفي الصحيحين لما قال أبو بكر رضي الله عنه لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاء أدعو به في صلاتي قال له: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم». [8]

ثمرة قول هذا الدعاء في الصباح والمساء:
قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
ربِّ اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير

تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراة في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركيا إلى الآن..
وهو عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري (6306).
[2] صحيح مسلم (591).
[3] سنن أبي داود (1517)، وسنن الترمذي (3577).
[4] صحيح البخاري (794)، وصحيح مسلم (484).
[5] صحيح البخاري (6307).
[6] سنن الترمذي (2639).
[7] سنن الترمذي (1105).
[8] صحيح البخاري (834).