ما هو الوحي وكيف كان يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
ما هو الوحي وكيف كان يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم,
الوحي: هو إعلام الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم ولكن بطريقة سريعة خفية غير معتادة للبشر.
أمَّا كيف كان يأتي الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد بينته السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت: “أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ – وَهُوَ التَّعَبُّدُ – اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ). قَالَ: (فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ من علق. اقرأ وربك الأكرم}…”. (1)
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض كيفيات الوحي، حين سأله الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، فقال له: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ “أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ. ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُهُ. وَأَحْيَانًا مَلَكٌ فِي مِثْلِ صُورَةِ الرَّجُلِ. فَأَعِي مَا يقول”. (2)
كما بيَّن الله تعالى كيفيات الوحي لرسوله صلى الله عليه وسلم مجملةً في ثلاث كيفيات، فقال: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51] وسمى العلماء هذه الكيفيات مراتب الوحي، وتفصيلها كالآتي:
1- الرؤيا الصادقة، كما سبق في حديث السيدة عائشة.
2- أن يأتيه الملك فيلقي في رُوعه وقلبه من غير أن يراه؛ كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه فقال: ” وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ قَدْ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَيْسَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ”. (3)
3- أن يتمثّل له الملَكُ رجلاً فيخاطبه فيعي عنه ما يقول، كما في حديث جبريل حين أتى للنبي يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة. (4)
4- أن يأتيه الملك على حاله الملكية ويوحي إليه فيسمعه ولا يراه، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحالة التي كان يأتيه بها الوحي بأنها مثل صلصلة الجرس، كما سبق في سؤال الحارث بن هشام السابق.
ملحوظة: هذه المراتب الأربعة متضمَّنةٌ في قوله تعالى: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 51]
5- أن يأتيه الملك جبريل ويظهر له في صورته الملكية العظيمة التي خُلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه. وقد وقع هذا للنبي صلّى الله عليه وسلم مرتين: إحداهما في الأرض، والثانية: في السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 13-14]
6- كلام الله تعالى للنبي من وراء حجاب، كما وقع للنبي صلّى الله عليه وسلم ليلة المعراج حين فرضت الصلوات، فنودي: “أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي”. (5) (6)
وأخيراً:
الوحي في كل كيفياته أمر عظيم يقتضي من الإنسان حتى يفهمه ويتصوره أن يتجاوز حدود المادة وعالم الشهادة، وإلاَّ وقع في ترَّهات منكري الوحي حين وصفوا الوحي بأنه مرض عصبي أو رِئيٌ من الجن، أو نوع من الجنون، أو سموه بالوحي النفسي.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): صحيح البخاري (3).
(2): صحيح مسلم (2333).
(3): مسند الشافعي (1798).
(4): ينظر: مسند أحمد (367)
(5): صحيح البخاري (3674).
(6): مناهل العرفان للزرقاني (1/63)؛ علوم القرآن الكريم د. عتر ص17.
[الشيخ] أنس الموسى
الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.