ما هو المقصود بمصطلح النوازل؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما هو المقصود بمصطلح النوازل؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم,

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

النّازلةُ في اللغة: الشديدة من شدائد الدهر تَنْزِلُ بالقَوْم وجمعُها: ‌النَّوازِل. (1)

والنوازل: جمع نازلة، وتعني: هبوط الشيء ونزوله.

وأما في الاصطلاح الفقهي: فقد عرفها ابن عابدين، بأنها: التي سُئل عنها المشايخ المجتهدون في المذهب ولم يجدوا فيها نصًّا، فأفتوا فيها تخريجًا…”. (2)
فالنازلة على وجه العموم هي: الحادثة المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي. (3)

ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: ‌” والنوازل ‌أو ‌الواقعات ‌أو ‌العمليات: ‌هي ‌المسائل ‌أو ‌المستجدات ‌الطارئة ‌على ‌المجتمع، بسبب توسع الأعمال، وتعقد المعاملات، والتي لا يوجد نص تشريعي مباشر أو اجتهاد فقهي سابق ينطبق عليها. صورها متعددة، ومختلفة بين البلدان أو الأقاليم، لاختلاف العادات والأعراف المحلية. فقد تنشأ مسألة أو نازلة تندثر، وقد تثار قضية في بلد أو إقليم لا تحدث في بلاد أو أقاليم أخرى، وقد تكون المسألة عامة، كالأعراف العامة غير المقصورة على بلد، وإنما تعم البلاد الإسلامية كلها أو أكثرها”. (4)

وأخيراً:

فإن النوازل هي: المسائل المستجدة التي تتعلق بأفعال المكلفين، ولا يوجد في ذخيرتنا الفقهية نصٌّ في بيان حكمها، فهي مفتقرة إلى استفراغ الوسع وبذل غاية الجهد في استنباط حكمها وإدراك مأخذها.

وللنوازل ألفاظ أخرى تعارف عليها الفقهاء منها:

1- الحوادث

‌‌2 – الواقعات أو الوقائع

‌‌3 – الأقضية والأحكام

‌‌4 – الفتاوى

5 – الأسئلة والسؤالات والمسائل

‌‌6 – المستجدات (المستحدثات). (5)

كيف نشأت النوازل

 المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تَجدُّ بينهم وقائع، وتنزل بهم حوادث، فيلجئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسون حكمها.

 وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة يرجعون إلى علمائهم، وعلى رأسهم  الخلفاء الأربعة، الأئمة الحنفاء، المأمور بلزوم سنتهم، واقتفاء أثرهم، وكانوا رضي الله عنهم يلتمسون الأحكام في كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، لا يجاوزون ذلك، فإذا أعياهم البحث عن النص القاطع للنزاع اجتهدوا في استنباط حكم تلك الواقعة المستجدة بما يتوافق مع الكتاب والسنة. وكانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا.

 وفي القرن الهجري الأول كانت العناية بالفقه وأحكامه الأساسية تعليمًا وتعلمًا، وبما يجدُّ وينزل سؤالًا واستفتاءً، ولم يكن ثمة ما يدعو للفصل بين الفقه والنوازل؛ بل كانا متلازمين، وإن كانا لم يدوَّنا آنذاك.

 ومع بداية القرن الرابع الهجري بدأت مرحلة جديدة تميزت بالاستقرار الفقهي حيث عني كثير من الفقهاء بمذاهب الأئمة المتبوعين تنظيمًا وتوسيعًا. وخلال تلك الفترة كانت الحاجة ماسة لتدوين كتب النوازل مصطبغة بالفقه المذهبي الذي يتمذهب به هذا المفتي أو ذاك. (6)

أهمية دراسة النوازل

أولاً: بيان كمال الشريعة وأنها صالحة لكل زمان ومكان ، فما من نازلة من النوازل إلا ولها حكم في الشريعة، جاء بيان ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلم ذلك ويعرفه الراسخون في العلم؛ مصداق قول الباري سبحانه: ﴿‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ ‌وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: «لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَمَا يَقْلِبُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ ‌إِلَّا ‌ذَكَرَ ‌لَنَا ‌مِنْهُ ‌عِلْمًا». (7)

حكم دراسة النوازل

دراسة النوازل فرض كفاية؛ إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين؛ لأن تبين العلم وما يحتاج إليه الناس واجب على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا ‌الْكِتَابَ ‌لَتُبَيِّنُنَّهُ ‌لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران: 187]

من كتب ‌‌النوازل على المذهب الحنفي:

1 – نوازل السمرقندي: لأبي الليث نصر بن محمد (ت: 373 هـ).

2 – الفتاوي الكبرى أو “تجنيس الواقعات”: للإمام الصدر حسام الدين عمر بن عبد العزيز (ت: 536 هـ).

3- فتاوي قاضي خان: لفخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي (ت: 592 هـ).

4- الفتاوي البزازية: لمحمد بن محمد البزازي (2) (ت: 827 هـ).

5 – الفتاوي السراجية: علي بن عثمان الأوشي الفرغاني (ت: بعد سنة 569).

6 – فتاوي التمرتاشي: لمحمد بن عبد الله التمرتاشي (ت: 1004 هـ).

7 – الفتاوي الزينية: لزين الدين إبراهيم بن نجيم (ت: 970 هـ)

ومن أمثلة النوازل:

تأجير الأرحام، وبنوك الحليب، وبنوك النطاف، وزراعة الشعر، وزراعة الأعضاء، ومياه الصرف الصحي بعد أن يتم تنقيتها وإزالة ما علق بها من أوساخ هل تصبح طاهرة باعتبار ما آلت إليه أم أنها تبقى نجسة باعتبار حالها الأول؟….

وأخيراً:

الفقه ليس مجرد علم بالأحكام الشرعية، بل هو فهم عميق للدين، يهدف إلى تحقيق العدالة والرحمة في المجتمع؛ فهو علم يربط بين النصوص الشرعية والواقع العملي، مما يجعله أداة فعالة لتحقيق التوازن والاستقرار في حياة المسلمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.