ما هو المعنى الذي اتفق عليه العلماء في شرح عبارة (كاسيات عاريات)، الواردة في الحديث النبوي؟ ولكون هذا الوصف من علامات الساعة فهل ظهرت في زماننا؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هو المعنى الذي اتفق عليه العلماء في شرح عبارة (كاسيات عاريات)، الواردة في الحديث النبوي؟ ولكون هذا الوصف من علامات الساعة فهل ظهرت في زماننا؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكذَا».. رواه مسلم. (1)

يقول الإمام النووي :«  أَمَّا الْكَاسِيَاتُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ:

أَحَدُهَا مَعْنَاهُ كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَاتٌ مِنْ شُكْرِهَا
وَالثَّانِي كَاسِيَاتٌ مِنَ الثِّيَابِ عَارِيَاتٌ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَالِاهْتِمَامِ لِآخِرَتِهِنَّ وَالِاعْتِنَاءِ بِالطَّاعَاتِ
وَالثَّالِثُ تَكْشِفُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ
وَالرَّابِعُ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ فِي الْمَعْنَى ». (2)

ويقول البغوي : (قَوْلُهُ: «كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ» يُرِيدُ اللائِي يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا، فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ فِي الظَّاهِرِ، عَارِيَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ.

وَقِيلَ: هُنَّ اللائي يُسْدِلْنَ الْخُمُرَ مِنْ وَرَائِهِنَّ، فَتَنْكَشِفُ صُدُورُهُنَّ، فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَاتِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتُرُ لِبَاسُهُنَّ جَمِيعَ أَجْسَامِهِنَّ،

وَقِيلَ: أَرَادَ كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، عَارِيَاتٌ مِنَ الشُّكْرِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ)(3)

ويقول ابن عبد البر: ( وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ فَإِنَّهُ أَرَادَ اللَّوَاتِي يَلْبَسْنَ مِنَ الثِّيَابِ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ الَّذِي يَصِفُ وَلَا يَسْتُرُ فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسْمِ عَارِيَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ)(4)

ويقول القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه على الموطّأ : “فمعناه: كاسياتٌ بالاسمِ، عارياتٌ في الحقيقة؛ إذ لا تستُرهُنَّ تلك الثِّياب”(5)

و بعد عرض هذه الأقوال في بيان معنى “كاسيات عاريات” يتبين لدينا أن القول المتفق عليه الذي ذكره كل الشارحون، و صرح بعضهم بأنه الأصح هو:

(أنهنَّ يَلبسنَ ثياباً خفيفةً شفافةً، تُبدي ما تحتها وتصفه، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة)

و أما الشقّ الثاني من السؤال: ولكون هذا الوصف من علامات الساعة فهل ظهرت في زماننا؟
بلا شك قد ظهر و انتشر  منذ زمن، كما قال الإمام النووي عند شرح هذا الحديث في صحيح مسلم: « هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ».(6)

بل إنه ظهر في زمننا هذا ما هو أشدُّ فتنة منه، و هو اللباس الضيّق جداً و المجسِّم لكل مفاتن المرأة و غير ذلك والعياذ بالله
فنسأل الله العفو و العافية و المعافاة في الدين و الدنيا، و لا حول و لا قوة إلا بالله

الهوامش:

1- صحيح مسلم: [6\168]، رقم (2128)
2- شرح صحيح مسلم للنووي :[17\190]،و كذلك رياض الصالحين للنووي صفحة (618)
3- شرح السنة، للإمام البغوي [10\272]
4- التمهيد لابن عبد البر، [13\204]
5- المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك، للقاضي أبو بكر بن العربي، [7\290]
6- شرح صحيح مسلم للنووي :[17\190]

المصادر و المراجع :

-شرح السنة، للإمام البغوي الشافعي (ت ٥١٦ هـ)،الناشر: المكتب الإسلامي – دمشق، بيروت، الطبعة: الثانية، ١٤٠٣ هـ – ١٩٨٣ م
– المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك، للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (ت ٥٤٣هـ)، الناشر: دَار الغَرب الإسلامي ،ط 1 عام 2007 م، [7\290]

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ