ما هو السبيل لكي يصبح الأب صديقاً لأبنائه؟ وهل تنصحون بهذا التصرف؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هو السبيل لكي يصبح الأب صديقاً لأبنائه؟ وهل تنصحون بهذا التصرف؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

دعا الإسلام إلى استقرار العلاقات الأسرية بكل أنواعها وجوانبها ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنه قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحق بحسن الصحبة؟ قال ”أمك. ثم أمك. ثم أمك. ثم
أبوك. ثم أدناك أدناك“
. [رواه مسلم]

 و من هذه العلاقات علاقة الآباء بالأبناء، ومن مظاهر حسن الصحبة في هذه العلاقة؛ حسن التواصل والتفاهم معهم ، و بناء الثقة فيما بينهم، و هذا يتحقق عن طريق التعامل معهم كأصدقاء في مراحل معينة من العمر ،خاصة في مرحلة البلوغ و ما بعدها؛ وذلك لأن الطفل في هذا المرحلة يكون في أشد حالات احتياجه إلى صديق يتواصل معه، ويشاركه همومه ومشاكله، و يجاوب على أسئلته دون حرج فيما يعرض له من تغيرات جسمية و انفعالية و عاطفية و اجتماعية، و هنا تكمن الأهمية و الخطورة بناءً على اختيار هذا الصديق.

لذلك فمن الواجب تربوياً أن يكون الأبُ الصديقَ الأول لابنه في هذه المرحلة، و كذلك الأم بالنسبة لابنتها، و لكن مع مراعاة وجود العلاقة الأبوية وضوابطها -بقوة-، و عدم إلغائها أو التنازل عن شيء منها، حتى لا يشتطَّ الأولاد على آبائهم ويقللوا من احترامهم و مكانتهم

و هناك طرق وسبل كثيرة لاكتساب صداقة الطفل، وخلاصتها: أن يجد هذا الابن في الأب كل الصفات التي تتوفر في الأصدقاء ، كالثقة، والاطمئنان إليه، وحسن التفهم لمشاكله، ومحاولة مساعدته، و غير ذلك من الصفات، وهذا يعني أنه ينبغي على الأب البحث عن هذه الصفات، ومن ثم التحلي بها، والتعامل مع الابن بموجبها، و من أهم هذه الصفات

الاستماع الجيد إلى الأبناء مع الجدية وإظهار الاهتمام بما يقولونه

 وهذا يعزز الثقة بينهم وبين الأب، ويشهرهم بأنهم يُسمَعون، وأن مشاعرهم وآرائهم ذات قيمة.

إظهار العاطفة والتعبير عن الحب والدعم بطرق عملية

 سواء من خلال الكلمات أو الأفعال، وهذا يساعد في بناء علاقة ودية قوية. ومن المهم أن يشعر الأطفال بالحب غير المشروط من والدهم.

قضاء الوقت معهم

من خلال المشاركة في الأنشطة المفضلة لديهم، سواء كانت رياضية، تعليمية، أو مجرد جلسات حوار، تساعد على تقوية الروابط العائلية. يجب أن يُظهر الأب اهتمامه بحياة أبنائه خارج إطار الواجبات اليومية.

التواصل المفتوح والشفاف

حول القضايا التي تشغل بال الأبناء وتقديم النصائح بدون إصدار أحكام قاسية أو مسبقة

الاحترام والتقدير

و ذلك من خلال التعامل مع الأبناء كشركاء في الحياة، والتحدث إليهم بأسلوب محترم، يُظهر لهم أن آراءهم وخياراتهم لها قيمة، مما يعزز شعورهم بأهميتهم و مكانتهم في الأسرة

تشجيع الاستقلالية

و ذلك بدعم الأبناء في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية، وهذا يعطيهم شعورًا بالثقة، ويجعلهم يشعرون بأن الأب صديقٌ يُعتمد عليه في التوجيه والنصح.

المشاركة في التحديات والنجاحات

و ذلك بدعم الأبناء في أوقات الصعوبات و الأزمات ومشاركتهم في حالات الحزن والفرح، كالاحتفال معهم في أوقات النجاح، وهذا يبني علاقة قوية قائمة على الدعم المتبادل.

و قد صور لنا القرآن الكريم مشهداً عظيماً من مشاهد حسن العلاقة بين الآباء و الأبناء، وصلت إلى أقصى حالات حسن الصحبة والتواصل والسعي والمشاركة و التعاون، بل و المشاورة في أمرٍ فيه بذل الروح و النفس، فكان من نتائجها التسليم المباشر و الاستجابة السريعة دون تردد، يقول الله تعالى في قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾[الصافات: 101-102]

و على هذا؛ فإننا ننصح الآباء -بقوة- بإقامة علاقة صداقة مع الأبناء، و خاصة في مرحلة البلوغ و ما بعدها، و من الأمثال الشعبية المعروفة قولهم:” إذا كَبِر ابنك خاويه” أي: إذا بلغ الولد
فاجعله أخاً لك و تعامل معه على هذا الأساس، و لكن مع مراعاة الحكمة، وبقاء واستمرارية العلاقة الأبوية بكل ضوابطها وحقوقها وواجباتها، و الله أعلم

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات. 

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ

الهوامش:
1- صحيح مسلم : حديث رقم (2548)