ما هو الحياء وما هي حقيقته في الإسلام؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي

السؤال

 ما هو الحياء وما هي حقيقته في الإسلام؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

فالحياء هو خلق الإسلام، و هو شعبة من شعب الإيمان، و هو خير كله و لا يأتي إلا بما هو خير ، كما ورد ذلك في الأحاديث الشريفة..
و قد عرفه العلماء بأنه : خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ ذِي الحَقِّ
و أما حقيقة الحياء المطلوب من المسلم فهو : الاستحياء من الله تعالى، و هو كما عرّفه صلى الله عليه و سلم بقوله : ” أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآْخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ” و الله أعلم

البيان و التفصيل :

فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ “ (1).
و من هنا ندرك مكانة الأخلاق و أهميتها في الإسلام حيث جُعلت الغاية من بعثة النبي صلى الله عليه و سلم مع الدعوة إلى التوحيد و عبادة الله وحده
 و كذلك جُعلت معياراً للحب و القرب منه و من مجلسه صلى الله عليه و سلم يوم القيامة فقال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكم إِليَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِني مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنُكُم أخلاقاً، وَإِنَّ أَبغَضَكُمْ إِليَّ، وَأبْعَدَكُمْ مِني مَجْلساً يَومَ القِيامةِ: الثَّرْثَارونَ والمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قالوا: يا رسولَ الله، قد عَلِمْنَا الثَّرثَارون والمُتَشَدِّقون، فما المُتَفَيْهِقونَ؟ قال: المُتَكَبِّرونَ» أخرجه الترمذي (2)
بل جعل التمسك و التحلي بها معياراً -أيضاً- و مؤشراً على كمال الإيمان فقد قال صلى الله عليه وسلم قال :«أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» أخرجه الترمذي (3)

– و من أعظم هذه الأخلاق التي جاء بها صلى الله عليه و سلم خلق الحياء :

الذي جعله خلق هذا الدين، فقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّ لِكُل دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ“(٤).

 و هذه بعض الأحاديث التي توضح مكانة خلق الحياء في الإسلام :
فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إلهَ إِلَاّ الله، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ.(5)
وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: “الْحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآْخَرُ “(6)
وعن أَبي سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه – قَالَ: كَانَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، فَإذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ في وَجْهِه “. متفقٌ عَلَيْهِ.(7)
يقول الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين عند ذكر هذه الأحاديث :
( قَالَ العلماءُ: حَقِيقَةُ الحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ ذِي الحَقِّ. وَرَوَيْنَا عَنْ أَبي القاسم الْجُنَيْدِ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: الحَيَاءُ: رُؤيَةُ الآلاءِ – أيْ النِّعَمِ – ورُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ، فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى حَيَاءً )(8)وَالْحَيَاءُ بهذا المعنى مَطْلُوبٌ، وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغَّبَ فِيهِ، لأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَال الْخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَحُول بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لاَ يُنْتِجُ إِلاَّ خَيْرًا،

فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَال لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ” متفق عليه (9).

و عن أبي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بن عَمْرٍو الأنصاريِّ البَدْرِيِّ – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إِذَا لَمْ تَسْتَح فاصْنع مَا شِئْتَ”. رواه البُخاريُّ
وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَاّ بِخَيْرٍ». متفقٌ عَلَيْهِ. وفي رواية لمسلمٍ: «الحياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ».(10)

و أَعظم الْحَيَاءِ: الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ، و هذا هو حقيقة الحياء :

فقد رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَال: قُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَال: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنْ الاِسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآْخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَل ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )أخرجه الترمذي(11)

– وَيَجْرِي فِي الْحَيَاءِ الأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ: فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْيَا مِنْهُ مُحَرَّمًا، فَالْحَيَاءُ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَيَاءُ مِنْهُ مَكْرُوهًا فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْيَا مِنْهُ وَاجِبًا فَالْحَيَاءُ مِنْهُ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُبَاحٍ فَهُوَ عُرْفِيٌّ أَوْ جَائِزٌ. (12)

فَالْحَيَاءُ مِنْ تَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ الْعِلْمُ بِهِ لَيْسَ بِحَيَاءٍ شَرْعِيٍّ. فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:” نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ “(13)

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَل عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. ” متفق عليه (14)

وعن مجاهد، قال: (إن هذا العلم لا يتعلمه مستح ولا متكبر).(15)

بناء على ما سبق :

ينبغي عليك أيها الأخ المسلم أن تحافظ على التمسك بهذا الخلق العظيم فهو لا يأتي إلا بخير ، و هو الحصن الذي يحمي الدين و يصون الأخلاق و يحفظ الحياة
و كذلك ينبغي عليك أن تضعه في موضعه و على حسب حالة الأمر الذي يستحى منه : فإن كان مما يغضب الله تعالى فيجب الحياء منه في هذه الحالة .. و إن كان هذا الأمر مما تحتاجه كتعلم أحكام الدين فعندئذ يجب السؤال و يحرم الحياء .. و هكذا تقدر الأمور بقدرها و الله أعلم
 


المصادر و المراجع :

1-كتاب السنن الكبرى للبيهقي رقم الحديث(20782)، [10\323]
2- سنن الترمذي : رقم (2018)، [4\370]
3- سنن الترمذي : رقم (1162)، [3\458]
4- أخرجه ابن ماجه (2 / 1399 -طبعة الحلبي) ،
5- رياض الصالحين رقم (682)  صفحة [219]
6-  أخرجه الحاكم (1 / 22 – ط دائرة المعارف العثمانية) ، وصححه و وافقه الذهبي.
7-  صحيح البخاري : رقم (6119) ،[8\35]، و صحيح مسلم : رقم (67) ،[7\77]
8- رياض الصالحين رقم (683)  صفحة [219]
9- صحيح البخاري :[1\74]، و صحيح مسلم : [1\63]
10- صحيح البخاري : رقم (6117) ،[8\35]، و صحيح مسلم : رقم (60) ،[1\46]
11- سنن الترمذي : [4\637]
12- الكتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية [18\263]
13- أخرجه مسلم (1 / 261 – ط الحلبي) .
14- أخرجه البخاري (الفتح 1 / 388 – ط السلفية) ، ومسلم 1 / 251 – ط الحلبي) .
15- حلية الأولياء للأصبهاني: (3/ 287).