ما معنى قوله تعالى في حكاية قصة نبي الله يونس عليه السلام: (فظن أن لن نقدر عليه)؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما معنى قوله تعالى في حكاية قصة نبي الله يونس عليه السلام: (فظن أن لن نقدر عليه)؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم,

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تمام قوله تعالى الذي ذكره السائل هو: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ ‌نَقْدِرَ ‌عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]

{وَذَا النُّونِ}: ذا النون: هو الحوت، أو السمكة، أُضيف إِليها لابتلاعها إِياه، وهو يونس بن متى عليه الصلاة والسلام، حين بعثه الله إلى أهل قرية نينوى من أرض الموصل.

{إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً}: أي ذهب غضبانَ من قومه؛ لشدة ما قاسى منهم، من إصرارهم على الكفر، مع طول دعوته لهم. فذهب قبل أن يؤمر أو يؤذن له في الذهاب. ثم أدرك يونس وهو في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت، أنه ظَلم نفسه في الخروج من غير أن يؤذن له، أو في ترك الصبر على قومه.

أما قوله تعالى: {فظنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}: ظاهر الآية غيرُ مراد قطعاً؛ لأنّ من ظن عجز الله تعالى فهو كافر، ولا خلاف أنه لا يجوز نسبة ذلك إلى آحاد المؤمنين، فكيف إلى الأنبياء عليهم السلام؟! فإذن لا بد فيه من التأويل، وفي ذلك وجوه ذكرها العلماء منها:

– {فظنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي ظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة، مأخوذ من القَدَر والتقدير، أي القضاء والحُكم، كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر 12/ 54] أي قُدّر، والعرب تقول: قَدَر، بمعنى: قَدَّر. (1)

-وقال بعضهم: {فظنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}: الكلام بمعنى الاستفهام، أي أفظنّ أن لن يَقدر الله عليه؟ (2)

– وقال بعضهم: والظن هنا ليس حاصلاً من يونس عليه السلام؛ لأن من ظن عجز الله تعالى فهو كافر، وإنما هو مجرد وسوسة الشيطان، ثم يردعه ويرده بالبرهان، فسمي ظنًا للمبالغة، كما قال تعالى مخاطباً المؤمنين: {وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب 10/ 33]. لكن ابن عطية رد هذا القول. (3)

– وقال بعضهم:  {فظنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي فظن أن لن نعاقبه بالتضييق عليه، كما في قوله تعالى: ﴿‌وَمَنْ ‌قُدِرَ ‌عَلَيْهِ ‌رِزْقُهُ ‌فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ﴾ [الطلاق: 7] أي ضُيِّقَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدَرْتُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا ضَيَّقْتُ عَلَيْهِ. وكقوله تعالى: (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [الْفَجْرِ: 16]قال ابن قتيبة: يقال: فلان مُقَدَّر عليه، ومُقَتَّر عليه. (4)

– أو أن يكون ذلك من باب التمثيل بمعنى: فكانت حالُهُ ممثَّلةً بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه، من غير انتظار لأمر الله تعالى.

– وللقاضي عياض كلام مفيد حول تفسير هذه الآية، في كتابه ” إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم. (5)

وأخيراً:

كثيرة هي الآيات التي يُوهِم ظاهرها معنىً لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لهذا أُقدِّرُ للأخ السائل حرصه على الفهم الصحيح للآية، وأدعو كل من أشكل عليه شيء من كتاب الله عز وجل أن يسأل أهل العلم عنه، فديننا متين ولله الحمد، ولا يوجد فيه سؤال أو إشكال لا جواب عليه.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): ينظر: ابن الجوزي، زاد المسير، (3/209)؛  ينظر: الفخر الرازي، التفسير الكبير، 22/180.
(2): ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 4/97.
(3): ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، 4/97.
(4): ينظر: تفسير الطبري، 16/378؛ ابن الجوزي، زاد المسير، 3/210؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير، 22/180.
(5): ينظر: القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم، 8/256.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.