ما معنى الحروف (ج)، (صلى)، (قلى)، و(لا) الموجودة في المصحف؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

أجد فوق بعض الكلمات في المصحف الشريف حروفاً لا أفهم معناها فماذا يقصدون بالحرف (ج)، و(صلى)، و(قلى)، و (لا)؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

إن هذه الحروف المذكورة تندرج تحت ما يسمى بمصطلحات الوقف والابتداء في المصحف الشريف، وهي مصطلحات الغاية منها الحفاظ على معاني القرآن من التحريف، فكما أن معرفة المكان الذي يجوز الوقوف عنده، والابتداء منه أثناء الحديث من أهم متطلبات الفصاحة في كلام الفصحاء، كذلك فإن من أهم متطلبات قراءة القرآن وتجويده وفهم معانيه معرفة ذلك.

ويؤكد أهميةَ معرفة مكان الوقف وأثره على المعنى، ما روي عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ‌مَنْ ‌يُطِعِ ‌اللهَ ‌وَرَسُولَهُ، ‌فَقَدْ ‌رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ “. [صحيح مسلم؛ مسند أحمد]

وقد بين أبو جعفر النحاس أن الخطيب وقف على (ومن يعصهما) ثم أكمل (فقد غوى) فكان ينبغي أن يصل كلامه فيقول: (ومن يعصهما فقد غوى)، أو يقف عند قوله: (فقد رشد). فإذا كان هذا مكروهًا في الخُطب وفي الكلام الذي يكلِّم به بعض الناس بعضًا، كان في كتاب الله جل وعز أشد كراهيةً، وكان المنع من رسول الله في الكلام بذلك أوكد. [أبو جعفر النحاس، القطع والائتناف]

وقد كره إبراهيم النخعي أن يقال: (لا والحمد لله)، ولم يكره أن يقول: (نعم والحمد لله).

وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل معه ناقة: أتبيعها بكذا؟ فقال: (لا عافاك الله)، فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: (لا وعافاك الله)، فأنكر عليه لفظه ولم يسأله عن نيته. [السابق]

وعن عبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ قال: لَقَد عِشْنا بُرهَةً مِن دَهرِنا وأَحَدُنا يُؤتَى ‌الإيمانَ ‌قَبلَ ‌القُرآنِ، وتَنزِلُ السّورَةُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم فيَتَعَلَّمُ حَلالَها وحَرامَها، وآمِرَها وزاجِرَها، وما يَنبَغِى أن يَقِفَ عِندَه مِنها، كما تَعَلَّمونَ أنتُمُ اليَومَ القُرآنَ، ثُمَّ لَقَد رأَيتُ اليَومَ رِجالًا يُؤتَى أحَدُهُمُ القُرآنَ قَبلَ الإيمانِ، فيَقرأُ ما بَينَ فاتِحَتِه إلَى خاتِمَتِه ما يَدرِى ما آمِرُه ولا زاجِرُه، ولا ما يَنبَغِى أن يَقِفَ عِندَه مِنه، فيَنثُرُه نَثرَ الدَّقَلِ. [الحاكم، المستدرك؛ البيهقي، السنن الكبرى]

وروي عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (سورة المزمل آية: 4) فقال: الترتيل: ‌تجويد ‌الحروف ‌ومعرفة ‌الوقوف. [ابن الجزري، شرح طيبة النشر في القراءات؛ الأشموني، منار الهدى في بيان الوقف والابتدا؛ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن]

ملحوظة

هذه الرموز ترجع من حيث الجملة إلى أربعة أقسام للوقف وهي: الوقف التام، والكاف، والحسن، والقبيح. والعلماء عند تحديد نوع الوقف ينظرون إلى العبارة التي قبل موضع الوقف، والعبارة التي بعده، فيبحثون عن ثلاثة روابط أو عن أحدها، وبحسب وجود شيء منها أو وجودها كلها يكون تحديد نوع الوقف وحكمه وهذه الروابط هي: 1- الروابط اللفظية. 2- المعنى الخاص بكل عبارة. 3- السياق العام، الموضوع. [عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم]

ومن أشهر الأمثلة التي يُمثَّل بها في هذا المقام قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ‌وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7] فقد رسم في مصحف المدينة النبوية المطبوع في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فوق كلمة (متشابهات) رمز [صلى]، وفوق كلمة (تأويله) رمز [صلى]، وفوق كلمة (إلا الله) رمز [قلى]، وفوق كلمة (من عند ربنا) رمز [قلى]. ويرجع وضع هذه الرموز للمعنى؛ فمن فسَّر التأويل بما تؤول إليه حقائق القرآن فإنه يقف على لفظ الجلالة؛ لأن علم الحقائق مما يختصُّ به الله تعالى، ومن ادعى علمه فقد كذب على الله. ومن فسر التأويل بالتفسير جاز له أن يصل لفظ الجلالة بما بعده ويقف على لفظ (العلم)؛ لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسيره. [الطيار، المحرر في علوم القرآن]

المقصود بهذه الرموز

(ج): رمز للوقف الجائز: وهو ما يجوز فيه الوقف والوصل بدرجة متساوية، لوجود وجهين فيها من الإعراب من غير ترجيح لأحدهما، مثاله قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ‌يُذَبِّحُونَ ‌أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49] فقد وضع فوق كلمة (نسائكم) الرمز [ج] لأن قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ} يجوز فيها أن تعرب في محل نصب حال من فاعل {يَسُومُونَكُمْ} ويجوز أن تكون استئنافية. [عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم]

ومثله: ﴿‌نَحْنُ ‌نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ ﴾ [الكهف: 13] فقد وضع فوق كلمة (بالحق) رمز [ج].

(م): رمز للوقف اللازم: وهو ما كان في وصله إفساداً للمعنى أو إيهاماً لمعنى آخر غير مراد، ومثاله: ما رسم فوق كلمة (يسمعون) في قوله تعالى: ﴿‌إِنَّمَا ‌يَسْتَجِيبُ ‌الَّذِينَ ‌يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36]

(صِلَى): أي أن الوصل أولى، كقوله تعالى: {أُولَئِكَ ‌الَّذِينَ ‌اشْتَرَوُا ‌الْحَيَاةَ ‌الدُّنْيَا ‌بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 86] فقد رسم فوق كلمة (بالآخرة) الرمز [صلى]؛ لأن الفاء في قوله: {فَلَا يُخَفَّفُ} لتعقيبٍ يتضمن معنى الجواب والجزاء لا حقيقة الجواب والجزاء، وذلك يوجب الوصل، إلاَّ أنَّ نظمَ الفعل على الاستئناف يُري للفصل وجهاً.
ومثله قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ ‌بِضُرٍّ ‌فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17] فقد وضع فوق كلمة (إلا هو) رمز [صلى]، للدلالة على الوقف الجائز مع كون الوصل أولى.

(قِلَى): أي أن الوقف جائز لكن الوقف أولى، وهو يقابل الوصل أولى، إذ فيه موجبان، موجب الوقف وموجب الوصل، وموجَب الوقف هو المترجِّح، فيقدَّمُ هذا الموجَب، ويكون الوقف أولى لهذا السبب.

كقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي ‌أَعْلَمُ ‌بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: 22] فقد رسم فوق كلمة (إلا قليل) رمز [قلى].

(لا): يدل على الوقف الممنوع، وهو رمز للموضع الذي لا يصلح للوقف أو الابتداء. ولم يوضع هذا الرمز ضمن الرموز الموجودة في آخر مصحف المدينة النبوية.

والخلاصة

  • إن علم الوقف والابتداء من العلوم المهمة للمقرئ والقارئ، إذ به تتبين المعاني، ومعرفة الوقوف هو شطر علم التجويد، والوقف في موضعه يساعد على فهم الآية. وأما الوقف في غير محله فربما يغير معنى الآية أو يشوه جمال التلاوة.
  • علم الوقف والابتداء أثر من آثار المعنى، فمعرفة المعنى هي التي ترشد إلى مكان الوقف من عدمه.
  • معرفة الوقف والابتداء له ارتباطٌ بعلم النحو؛ من جهة معرفة ما يصح الوقف عليه وما لا يصح من المفردات أو الجمل المرتبطة ببعضها من جهة؛ كالمعطوفات والجملة الحالية وغيرها، كما أن له ارتباطاً بعلم القراءات أيضاً.
  • يقول أبو جعفر النحاس: فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأ أن يفهم ما يقرؤه ويشغل قلبه به ويتفقد القطع والائتناف ويحرص على أن يُفهم المستمعين في الصلاة وغيرها، وأن يكون وقفه عند كلام مستقر أو شبيه به، وأن يكون ابتداؤه حسنًا ولا يقف على مثل: ﴿‌إِنَّمَا ‌يَسْتَجِيبُ ‌الَّذِينَ ‌يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36] لأن الواقف هاهنا قد أشرك بين المستمِعين، وبين الموتى، والموتى لا يسمعون ولا يستجيبون وإنما أخبر عنهم أنهم يبعثون. [أبو جعفر النحاس، القطع والائتناف]
  • اصطلاحات الوقف مبناها على الاجتهاد في تقدير المعنى؛ ما يعني أنه يمكن أن يأتي من يخالف فيه، لكن بشرط أن يكون الأمر عن دراية ومعرفة لا بذوق وتحكُّمٍ، كما يقع عند بعض الناس، فتراه يقف وقوفات غريبة، ويبتدئ ابتداءً غريباً كذلك، وما دعاه إلى ذلك إلا تذوقٌ غيرُ سليم لمعاني القرآن. [الطيار، المحرر في علوم القرآن]
  • وقال أبو جعفر النحاس: من لم يعرف الفرق بين ما وصله الله جل وعز في كتابه، وبين ما فصله لم يحل له أن يتكلم في القطع والائتناف. [أبو جعفر النحاس، القطع والائتناف]

    وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.