ما قولكم في التعليم عن بعد، هل يؤثر على تحصيل الأبناء العلمي والدراسي؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما قولكم في التعليم عن بعد، هل يؤثر على تحصيل الأبناء العلمي والدراسي؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

دعا الإسلام إلى تحصيل العلم و طلبه بكل الوسائل و الطرق المتاحة التقليدية والتقنية، و لكن الأصل في التعليم الناجح المثمر – و خاصة بالنسبة للأطفال – أن يكون حضورياً، و لا يصار إلى التعليم عن بعد إلا لضرورة أو لمصلحة في ظرف خاص أو حالة معينة، و أجد من المناسب في زمننا هذا الدمج بين كلا الأسلوبين، على شرط أن يكون الأصل في العملية التعليمية الحضور الشخصي للطلاب ما أمكن ذلك ، و يُلحق به التعليم عن بعد كرديف و معزز للعملية التعليمية و ذلك للمساهمة في نشر العلم على نطاق واسع، و للاستفادة من هذه الوسائل الحديثة، و لإشغال أوقات الأطفال بما هو نافع و مفيد ، و الله أعلم.

البيان و التفصيل :

دعا الإسلام إلى تحصيل العلم و طلبه بكل الوسائل و الطرق المتاحة، و قد تعددت بفضل الله تعالى في زمننا هذا الوسائل و الطرق، و توفرت الوسائل و الأدوات التعليمية الحديثة، الواقعية أو الافتراضية

و كل هذه الوسائل و الطرق حث عليها الشرع الشريف كما في حديث سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من سلك طريقًا يَطلُبُ فيه عِلمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرُقِ الجنَّةِ، … “(1).

فقوله صلى الله عليه و سلم: (طريقاً ) هو من صيغ التنكير وهذا يفيد العموم ، و المراد به : أي طريق يحصل به العلم ، فلم يحدد وسيلة معينة ، و هذا من إعجازه صلى الله عليه و سلم ليشمل كل الطرق و الوسائل التقليدية في زمانه أو في سائر الأزمان التي تأتي بعده أو الوسائل التقنية الحديثة بما يتناسب معها

و لكن الأصل في التعليم الناجح المثمر – و خاصة بالنسبة للأطفال – أن يكون حضورياً، و لا يصار إلى التعليم عن بعد إلا لضرورة أو لتحقيق مصلحة في ظرف خاص أو حالة معينة، كمرضٍ أو بُعدٍ يتعذر الاجتماع معه، كاختلاف البلاد أو بعد المسافات في البلد الواحد و عدم وجود البدائل..

و هذا ما أكّده الواقع، و شهد به أولياء الأمور و المسؤولون عن العملية التعليمية -في ظل الفترة التي عاشها العالم أيام انتشار كورونا – من ضعف التحصيل العلمي لدى الطلاب كما بيّنت الدراسات العلمية الحديثة (2).

و أجد من المناسب في زمننا هذا الدمج بين كلا الأسلوبين ( التعليم الحضوري و التعليم عن بعد) خاصة بعد تتطور الوسائل التعليمية التفاعلية الحديثة، و التي أصبح من الصعب جداً التخلي عنها،

و ذلك للمساهمة في نشر العلم على نطاق واسع، و للاستفادة من هذه الوسائل الحديثة، و لإشغال أوقات الأطفال بما هو نافع و مفيد بدلاً من تضييعها في الأمور الأخرى، خاصةً مع شدة تعلقهم بهذه الأجهزة و الأدوات التقنية

و لكن على شرط أن يكون الأصل في العملية التعليمية الحضور الشخصي للطلاب ما أمكن ذلك ، و يُلحق به التعليم عن بعد كرديف و معزز للعملية التعليمية على حسب ما يتناسب مع نوع كل علم أو على حسب كل حالة و حاجة و الله أعلم

بناء على ما سبق :

اعلم أخي السائل الكريم : أنه لا بد لنا بداية أن نحرص على التحاق الأبناء بالمدارس و المعاهد العلمية الموجودة و المتاحة ما أمكن إلى ذلك سبيلاً ، ثم لا مانع بعد ذلك من التسجيل في المنصات التعليمية الافتراضية الموثوقة، لدعم و تعزيز العملية التعليمية على حسب ما بيناه أعلاه، و الله الموفق

المصادر و المراجع :

1- رواه أبو داود برقم (3641)، والترمذي رقم (3683) وغيرهم من أصحاب السنن
2- من هذه الدراسات: أثر التعليم عن بعد على التحصيل الدراسي، و هي رسالة ماجستير قُدّمت في جامعة( 8 مايو 1945 قالما) التابعة لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي في الجزائر
و أيضاً : دراسة :” التعليم التقليدي والتعليم عن بعد “التحديات والتطلعات المستقبلية” للدكتور عيسى بن خلف الدوسري

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ