ما حكم تطويل الشارب حتى يلامس الشفتين وربما يلامس الطعام؟ (شافعي)
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي
السؤال
ما حكم تطويل الشارب حتى يلامس الشفتين وربما يلامس الطعام أو الشراب أثناء الأكل أو الشرب، فهل هذا حرام؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله و صحبه و من والاه، وبعد:
قصّ الشارب سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم للأحاديث الواردة في ذلك، ولا يحرم تطويل الشارب حتى يلامس الشفتين أو الطعام والشراب، ولكن ذلك مكروه وفيه مخالفة للفطرة والسنة التي دعتنا إلى قص الشارب وتخفيفه حتى تتبين حدود الشفة العليا، وتشتد الكراهة إذا تأخر ذلك أكثر من أربعين يوماً، وينبغي مراعاة حالة عدم التشبه بغير المسلمين أو أهل الفسق والمعاصي والله أعلم.
البيان والتفصيل:
إن من أعظم ما يُميز أحكام الشريعة الإسلامية أنها جاءت متوافقة مع الفطرة التي خلق الله الناس عليها، سواء أكان من حيث الإيمان والعقيدة أو العبادات أو التعاملات وأحكام الحلال والحرام، أو حتى فيما يتصل بالطهارة والنظافة الشخصية وحسن المظهر وغير ذلك مما يتوافق مع الفطرة السوية،
-
-
-
ومن هذه السنن التي توافق الفطرة قص الشارب كما ورد ذلك في كثير من الأحاديث الشريفة، ومنها:
-
-
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ» [1]، وفي روايةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» [2].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى» [3].
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ زَكَرِيَّاءُ: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ». زَادَ قُتَيْبَةُ: قَالَ وَكِيعٌ انْتِقَاصُ الْمَاءِ، يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاءَ [4].
ومعنى (من الفطرة) أي: من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء. [5].
ويقول الإمام النووي في كتابه المجموع: “قُلْت تَفْسِيرُ الْفِطْرَةِ هُنَا بِالسُّنَّةِ هُوَ الصَّوَابُ: فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من السنة قص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظفار” [6].
وفيما يلي تلخيص لأحكام قص الشارب:
- قَصُّ الشَّارِبِ سُنَّةٌ لِلأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ [7].
- المراد من قص الشارب: أَنْ يَقُصَّ منه حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ العليا ( أي حدُّها من الأعلى)، وَلا يحلقه مِنْ أَصْلِهِ، وَحَدِيثُ:” أَحْفُوا الشَّوَارِبَ. . . ” السابق ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا طَال عَلَى الشَّفَتَيْنِ، وَعَلَى الْحَفِّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ لاَ مِنْ أَصْل الشَّعْرِ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا – قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ ” [8].
يقول الإمام النووي في كتابه المجموع شرح الهذب: “وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثَانِ السَّابِقَانِ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ جَامِعِهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: ثُمَّ ضَابِطُ قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يَحُفُّهُ مِنْ أَصْلِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا ” [9].
وَلاَ بَأْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَرْكِ السَّبَالَتَيْنِ، وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، لِفِعْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ؛ وَلأَنَّهُمَا لاَ يَسْتُرَانِ الْفَمَ، وَلاَ يَبْقَى فِيهِمَا غَمَرُ الطَّعَامِ إِذْ لاَ يَصِل إِلَيْهِمَا [10]. - وَيُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَأْخِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالتَّأْخِيرُ إِلَى مَا بَعْدَ الأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [11].
قَال الإمام النووي فِي كتابه الْمَجْمُوعِ: “وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُمْ لاَ يُؤَخِّرُونَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلاَ يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ، لاَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهَا إِلَى الأَرْبَعِينَ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَالأَخْذُ مِنْ هَذِهِ الشُّعُورِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ” [12]. - وَيُسْتَحَبُّ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الأَيْمَنِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُل شَيْءٍ.
يقول النووي في كتابه روضة الطالبين: “وَيُسْتَحَبُّ قَصُّ الشَّارِبِ، بِحَيْثُ يُبَيِّنُ طَرَفَ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا. وَيَبْدَأُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا، بِالْيَمِينِ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، تَأْخِيرُهَا عَنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلْحَدِيثِ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ” [13].
وبناءً على ما سبق:
-
-
- فيُسَن لك أخي الشاب المسلم أن تأخذ من شاربك وتقصره بمقدار ما يتوضح معه حدود الشفة العليا كلما طال وإن لم تصل المدة إلى أربعين يوماً، ولا تتركه يطول حتى يلامس الشفتين أو الطعام والشراب فهذا فيه كراهة، وتشتد الكراهة اكثر إذا تأخر ذلك أكثر من أربعين يوماً.
- ويستحب لك أن تبدأ من جهة اليمين أثناء قص الشارب وأن يكون يوم جمعة.
هذا بالإضافة إلى مراعاة حالة عدم التشبه بغير المسلمين كما هو الحال في هذه الأيام من الموديلات أو القصات المنتشرة بين الشباب. والله أعلم
- فيُسَن لك أخي الشاب المسلم أن تأخذ من شاربك وتقصره بمقدار ما يتوضح معه حدود الشفة العليا كلما طال وإن لم تصل المدة إلى أربعين يوماً، ولا تتركه يطول حتى يلامس الشفتين أو الطعام والشراب فهذا فيه كراهة، وتشتد الكراهة اكثر إذا تأخر ذلك أكثر من أربعين يوماً.
-
تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.
الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء- تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري، (5888)، [7/ 160].
[2] صحيح البخاري، (5889)، [7/ 160].
[3] صحيح مسلم، (259).
[4] صحيح مسلم، (261).
[5] ينظر: كتاب منحة الباري بشرح صحيح البخاري المسمى «تحفة الباري» للإمام زكريا بالأنصاري،
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض -الطبعة: الأولى، رقم (5888)، [9/ 119].
[6] المجموع شرح المهذب، للإمام النووي ،[1/ 284].
[7] ينظر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي للإمام البغوي، دار الكتب العلمية، ط1، [1/ 218].
[8] سنن الترمذي، [5/ 93] (ط الحلبي)، وقال: “حديث حسن غريب”.
[9] المجموع شرح المهذب، للإمام النووي، [1/ 287].
[10] ينظر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي للإمام البغوي، دار الكتب العلمية، ط1، [1/ 218].
[11] صحيح مسلم، (258)، [1/ 153].
[12] المجموع شرح المهذب، للإمام النووي، [1/ 286-287]
[13] روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي، الناشر: المكتب الإسلامي، ط3، [3/ 234].