ما حكم التصدق من الأموال المشبوهة أو المجهولة المصدر؟
يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي
السؤال
ما حكم التصدق من الأموال المشبوهة أو المجهولة المصدر؟
الجواب
الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله وصحبه و من والاه، و بعد:
للإجابة على هذا السؤال لابد من التفصيل وبيان نوع هذا المال على الشكل الآتي:
أولاً – التصدق من المال الحرام الواضح الذي لا شبهة فيه
كالمال المكتسب من الحرام: مثل الربا، السرقة، الغش، الرشوة، أو أي نشاط محرم.
فهذا النوع من المال لا يجوز التصدق منه أو استخدامه في أي أعمال بر أو إحسان.وعلى المسلم الذي اكتسبه أن يتوب إلى الله ويترك هذا المال أو يرده إلى أصحابه إن كان ذلك ممكنًا.
وإذا تعذر معرفة صاحب المال؛ فيجب التخلص منه بصرفه في المصالح العامة، مثل دعم الفقراء والمساكين، ولكن بدون نية التصدق، لأن التصدق من المال الحرام لا يُقبل.
قال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم: «أيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَاّ طَيِّبًا» رواه مسلم. [صحيح مسلم : رقم (65)]
وبالتالي، لا يُعتبر هذا المال صدقة مقبولة بل هو تطهير للنفس والتخلص من المال الحرام.
ثانياً – التصدق من المال المشبوه (المال الذي يُشك في حِلِّه):
إذا كان المال مشبوهًا، بمعنى أن هناك شك في كونه حلالًا أو حرامًا، ولكن لا يوجد يقين، فمن الأفضل للمسلم أن يحتاط لدينه ويتجنب التصدق أو استخدام هذا المال؛ حتى يتأكد من مصدره. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَريبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ». [سنن الترمذي: رقم (55)]
و يقول أيضاً :«إنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبَهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، ..». [صحيح البخاري: رقم (52); صحيح مسلم:رقم (107)]
ثالثاً- المال المجهول المصدر
إذا كان المال مجهول المصدر بمعنى أن الشخص لا يعرف كيف حصل على هذا المال بالتحديد، لكنه يعتقد أنه حصل عليه من طرق مشروعة وحلال، فإن الأصل في الأمور هو الإباحة، ويمكنه التصرف فيه والتصدق منه.
لكن إذا كانت هناك شبهة قوية في مصدر المال، فالأفضل تركه والاحتياط لدينه كما هو الحال في المال المشبوه.
الخلاصة:
لا يجوز التصدق من المال الحرام، بل يجب التخلص منه بتوجيهه إلى المصالح العامة دون نية الأجر. و أما المال المشبوه أو مجهول المصدر فيجب التحري عن مصدره، وإذا تبين أنه حرام فيجب التخلص منه، أما إذا كان حلالًا فلا بأس بالتصدق منه.
وفي جميع الأحوال، على المسلم أن يتحرى الحلال في ماله ويسعى لاكتسابه من مصادر مشروعة؛ لأن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا الطيب. و الله أعلم
الشيخ عبد السميع ياقتي
الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي
و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ