ما حكم إهمال المرأة حاجات زوجها الجنسية؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما حكم إهمال المرأة حاجات زوجها الجنسية؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالعلاقة الزوجية علاقة عظيمة حفظها الشرع، وجعل لها ما يحوطها ويحميها؛ ذلك لأن الزواج من المطالب الشرعية، ولذلك جاءت النصوص للحث عليه والترغيب فيه.

ولا شك أن من سعادة المرء – كما أخبر النبي ﷺ – الزوجةَ الصالحة التي تعينه على أمر دينه ودنياه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَا أَفَادَ عَبْدٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ زَوْجٍ مُؤْمِنَةٍ : إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ»([1]) .

ولذلك كان لا بد للمحافظة على العلاقة الزوجية من أن يفهم كل من الطرفين أهمية حق الآخر عليه.

فحق الزوج على زوجته عظيم، يقول الله تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ  }  [البقرة: 228].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» . ([2]).

و من أهم الحقوق الواجِبة على المرْأة أن تمكِّن زوْجَها من الاستِمْتاع بِها كلَّما أراد([3])، ولكن بقَدرِ قدرتها، إلا إذا كانت تتضرر من كثرة الجماع، فلا يجوز له أن يلحق بها الضرر، ولها حينئذ أن تمتنع عن إجابته؛ لأن الشارع الحكيم أمر كلا الزوجين بمعاشرة الآخر بالمعروف، قال – تعالى -: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقال – سبحانه -: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة: 228]،

ويدل على الوجوب ما روي عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ».([4])

و هي بهذا الامتثال و تأدية حق زوجها مثابة من الله تعالى كما بين النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»([5])

و قد حذر الإسلام الزوجة من الامتناع عن زوجها إذا دعاها للفراش , لأن هذا من أول حقوقه عليها , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ ، فَبَاتَ وَهُوَ غَضْبَانُ ، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»([6])

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «ثَلَاثَةٌ لَا تَرْتَفِعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ شِبْرًا : رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ [2/116] وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ»([7])

وامتناع الزوجة عن تلبية رغبات زوجها يؤدي إلى تغيره عليها وتغيظه منها , واستبدال الحب بالأذى في قلبه. قال الشافعي رحمه الله:

خذي العَفو منى تستديمي مودتي * * ولا تنطقي في سَورَتى حين اغضبُ

ولا تنقرينى نقركِ الدفَ مرةً* * فإنك لا تدرين كيف الُمغّيبُ

ولا تكثري الشكوى فتذهب بالقوى* * ويأباك قلبي والقلوب تقلبُ

فإني رأيتُ الحبَ في القلبِ والأذى * * إذا اجتمعا لم يلبث الحبُ يذهبُ

و من الصور الرائعة في تعامل الزوجة مع زوجها و قيامها بحقوقه ما و قع بين أبي طلحة رضي الله عنه و زوجه  فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ ، قَالَ : فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ، هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ فِى جَانِبِ الْبَيْتِ ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ : كَيْفَ الْغُلاَمُ ؟ قَالَتْ : قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ ، وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ ، قَالَ: فَبَاتَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ، أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا كَانَ مِنْهُمَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا.قَالَ سُفْيَانُ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ.([8])

وفق الله جميع الأزواج لحياة سعيدة هانئة في ظلال تعاليم ديننا و على هدي من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم و الحمد لله رب العالمين

([1])الحاكم (2697) والنسائي (3231 / 1) والبيهقي (13607) وأحمد (7539))
([2])الحاكم (2779) وأبو داود (2140) والدارمي (1504))
([3]) مغني المحتاج 3 / 123 ، 134 ؛ إعانة الطالبين 3 / 340
([4])ابن حبان (4165) والضياء المقدسي (170)
([5])أحمد (1683) والطبراني في “الأوسط” (8805)
([6])البخاري (3237) ومسلم (1436)
([7])ابن حبان (1757) وابن ماجه (971) والطبراني (12275)
([8])البخاري (1301) ومسلم (2119) ،

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.