ما حكمة كثرة القصص في القرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما حكمة كثرة القصص في القرآن؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لا يخفى ما تدل عليه أخبار الأمم السابقة مع أنبيائها، ووقائع الماضي البعيد الذي عفت عليه الأيام، وذهبت بعلمه ومعرفته، من دروس وحكم وعبر. كما لا يخفى أن القصة المحكمة الدقيقة تطرق المسامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، وتسترسل مع سياقها المشاعر فلا تمل ولا تكل، كما هو الحال في الدروس التلقينية والإلقائية التي تورث الملل أحياناً؛ لذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعًا، وأكثر فائدة في ترسيخ الفكرة ونفوذها إلى النفس البشرية بسهولة ويسر.

القصة: هي الْخَبَرُ عَنْ حَادِثَةٍ غَائِبَةٍ عَنِ الْمُخْبَرِ بِهَا، وجَمعُ القِصة: قِصَص بكسر القاف، وأما القَصَصُ بفتح القاف، فاسمٌ للخبر المَقصُوص. (1)

ولكي نعرف الحكمة من كثرة القصص في القرآن، علينا أن نعرف الأهداف والمقاصد مِن ذِكرها فيه؛ فالقصة لم تُذكر لغرض التَّسلية وجذب الأسماع فحسب، ولا لبيان التاريخ بذاته، كما لا يُراد بها سرد تاريخ الأمم أو الأشخاص، وإنما هي عبرة واقعية للناس، كما بين الله  تعالى ذلك في سورة هود، بعد ما ذكر موجزًا من سيرة الأنبياء عليهم مع أقوامهم، فقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]  فهي إذاً لم تأت اعتباطًا، وإنَّما لمقاصدَ عظيمة؛ ولذلك لا تَذكُر قصص القرآن الوقائعَ والحوادثَ بالترتيب، ولا تستقصيها، بل يُذكر في كل سورة من القصة الواحدة من المعاني والمواعظ، ما لا يُذكر في الأخرى، ومجموعها هو كل ما أراد الله تعالى أن يعظ به هذه الأمة. (2)   ومن ثَمَّ كانت ‌قصص ‌القرآن مغطّيةً للحياة البشرية في كل الأزمان والأماكن. (3)

ومقاصد القصص في القرآن تتنوع تنوعًا كبيرًا، وهي موزَّعة على قصصه، حسب موضوعها وسياقها، كما أنها مقاصد كثيرة لا يمكن الإلمام بها جميعًا؛ لهذا سنتكلم عن أهم مقاصد قصص القرآن بإيجاز؛ لنعرف السر من كثرة ذكر قصص القرآن :

1- إثبات نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم -الذي كان أمِّيًّا ما طالع كتابًا ولا تتلمذ على أستاذ – بحوادث ووقائع تاريخية، هي بالنسبة له غيب ومجهول، لا يعلمه هو ولا قومُه كذلك، كما أخبر الحق سبحانه، عقب قصة نوح عليه السلام: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: 49]؛ لَيدلُّ على إثبات الوحي وصدق الرِّسالة التي جاء بها. وكمثال على ذلك: ما ذكره بيان الحق سبحانه، تعقيبًا على قصَّة موسى عليه السلام: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ‌وَمَا ‌كُنْتَ ‌مِنَ ‌الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 44-46] وما ذكره الحق سبحانه وتعالى أيضاً عقب قصة مريم، وكفالة نبي الله زكريا لها: ﴿ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: 44]. فما دام النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لم يكن مشاهدًا لهذه الأحداث الصَّادقة، وما قرأها في كتاب، ولا تعلَّمها من أحد؛ فدل ذلك على أنه لا يمكن إلاَّ أن يكون تلقيًا من عالِم الغيب والشهادة، الذي يعلم السر في السموات والأرض.

2- تثبيت وتسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم: كما بيَّن الحق سبحانه ذلك، بقوله: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا ‌نُثَبِّتُ ‌بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: 120] لقد ذكر الله تعالى في القرآن قصصاً كثيرة لأنبيائه عليهم السلام، يبيِّن فيها ما لاقَوهُ من المشاق في طريق دعوتهم، ومسلياً قلب نبيه صلى الله عليه وسلم؛ بأن المتاعب التي يُلاقيها هو أيضاً أثناء دعوته، من تكذيب الناس ونفورهم عن الحقِّ – رغم الأدلة الواضحة والبراهين السَّاطعة، الدَّالة على رسالته- قد لاقاها مَن سَبَقَه من الأنبياء والمرسلين،  فإنَّ كثيرًا من أتباعهم أيضاً عَمُوا وصَمُّوا عن اتِّباع الحقِّ، وأصرُّوا على اتِّباع الباطل، كما جاء على لسان نوح عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح: 5-7]. وكذلك: ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾ [نوح: 21]. إنَّ القصص القرآني – حقًا – فيه عزاءٌ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لئلاَّ تذهب نفسه حسرات على كفر الكافرين وجحودهم، بَعد الأدلة الدَّامغة التي جاءهم بها.

3- إثبات الوحدانية لله تعالى، والأمر بعبادته: كل الرُّسل والأنبياء جاؤوا بتقرير توحيد الخالق جلَّ جلالُه، وأنه لا ربَّ غيره، ولا معبودَ سواه؛ لهذا كثرت قصص الأنبياء التي تؤكد هذه الحقيقة وترسخها؛ فذكر ربنا سبحانه قصة نوح عليه السلام، وما طلبه من قومه: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، وذكر وصية يعقوب عليه السلام لبنيه: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 133]. وكذلك ذكر قصة سليمان عليه السلام، مع قوم سبأ، وما أخبر به الهدهد أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [النمل: 25،26].

4- العبرة والموعظة: الاتِّعاظ والاعتبار بمن سبق من الأقوام، بتَّخويفهم من الإتيان بمثل أفعالهم، لتجنب العقاب الذي يُسلطه الله تعالى على المخالفين لهم، كما قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ ‌مِثْلُ ‌مَا ‌أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ * وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود: 89-90]

5- إثبات البعث والجزاء: وأن الخلود في الأرض مستحيل، فالكل إلى فناء، ثم البعث والجزاء، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ ‌فَخُذْ ‌أَرْبَعَةً ‌مِنَ ‌الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260]

6- إثبات قدرة الله عز وجل المطلقة عن الحدود: إنَّ ما ورد في القصص القرآني من ذكرٍ للخوارق والمعجزات، جاء ليدل على قدرة الله تعالى الكاملة، والتي لا يستطيعها مخلوق في الكون كلِّه، كما في قصة إبراهيم مع النمروذ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ‌إِذْ ‌قَالَ ‌إِبْرَاهِيمُ ‌رَبِّيَ ‌الَّذِي ‌يُحْيِي ‌وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 258-259] فالإيقان بأن الله على كل شيء قدير، يشير إلى بيان الفارق بين النَّظرة الإنسانية العاجلة قصيرة المدى، وبين الحِكمة الإلـهية الكاملة المحيطة بالماضي والحاضر والمستقبل، إضافةً لعلم الله تعالى الكامل بالغيب، قريبِهِ وبعيدِه على حد سواء. مما يلقي في رُوع المؤمنين الاطمئنان الكامل إلى جانب الله تعالى القادر على كل شيء، والرُّكون إليه.

7- بيان جزاءِ الأمم السَّابقة المكذِّبة ومصيرِها: موقف الإنكار والتَّكذيب للرِّسالات والرُّسل واحد؛ فقوم نوح قالوا في حقِّه: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأعراف: 60]. وقوم هود قالوا له: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف: 66]. وقوم لوط قالوا: ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82]. فكان مصيرهم جميعاً بسبب هذا التكذيب واحد، وهو الإهلاك. ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى ‌أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: 59] ﴿فَكَذَّبُوهُ ‌فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 139] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ ‌فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: 4-6]

8- تربية المؤمنين: ببث المعاني الدينية الواضحة، وترسيخ قواعد الدين، بل تكاد مقاصد القصص القرآني تتضافر جميعًا في تربية المسلمين عقدياً وسلوكياً، كالتَّربية على الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالبعث والجزاء، والصَّبر على أذى الكافرين وإعراضهم عن الحقِّ، حتى يُظهره الله تعالى ويُهلِكَ أعداءه، كما وصف ربنا حال السحرة مع فرعون بعد أن آمنوا بالله رباً، فالواجب على المسلم أن يقتدي بهم في قوة العقيدة والثبات على المبدأ، فقال ربنا سبحانه في سورة الأعراف: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * ‌لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴾ [الأعراف: 121-125] وقال في سورة طه: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ‌فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: 71-72]

ومواعظ لقمان ودروسه التربوية ما أكثرها وأهمها دليل ذلك: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ الآيات [لقمان: 12-19] ﴿وَإِذْ قَالَ ‌لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]

﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 17-19]

8- مواجهة اليأس بالصبر: كما في قصَّة يوسف عليه السلام، وفيها جملة من الآيات تُحقِّق هذا المقصد، كقوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18]. وقوله تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

بما سبق من الأمثلة – وما أكثرها – عرفنا جانباً بسيطاً من مقاصد سياق القصص في القرآن، وأن سبب كثرة القصص هو أنه اجتمع في قصص القرآن مقاصدُ سامية، تقوم على تحقيق الإيمان وترسيخ أصوله في القلوب، وتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، والعبرة والعظة بالأمم الغابرة… فجاءت القصص توضح هذه المعاني وترسخها.
وأنصح السائل لمعرفة المزيد عن مقاصد قصص القرآن، وأسباب كثرتها، الرجوع لكتب التفسير، وكتب أسباب نزول الآيات، وكتب علوم القرآن. والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):  ينظر: الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير (1/64).
(2): ينظر: محمد رشيد رضا: تفسير المنار (8/ 456).
(3): الأساس في التفسير (3/ 1552).
وينظر لكل ما سبق: نور الدين عتر: علوم القرآن الكريم ص240؛ مناع القطان: مباحث في علوم القرآن ص321؛ محمد سعيد رمضان البوطي: من روائع القرآن ص191.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.