ما حد استخدام العنف في أمر الزوجة والأولاد بطاعة الله؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
ما حد استخدام العنف في أمر الزوجة والأولاد بطاعة الله؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أخي السائل لا يوجد في إسلامنا الحنيف مصطلح العنف، كما أن استخدام العنف في التعامل مع الزوجة والأولاد ليس مقبولاً في الإسلام؛ فإسلامنا دين السماحة، وهو دين اليسر، ويقف في وجه كل ما هو عسر، وانظر إلى حديث السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْكُمْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوِ الْفُحْشَ. قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ.». (1)
وإذا كانت بعض القسوة التي توجه للأبناء أو الزوجة في بعض الأحيان لبعض الظروف، فهذا لا يسمى عنفاً بل هو أحد الوسائل التي يسلكها المربّون لبيان الحزم، وأن الأمر جِد؛ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». (2)
ولا أدل على هذا مما ترويه السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، فتَقُولُ: “كُنْتُ عَلَى بَعِيرٍ صَعْبٍ، فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ “. (3)
بل قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”. (4)
ومع أن ضرب الزوجة ذُكر في كتاب الله عز وجل، في سورة النساء، فقال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) [النساء: 34]. فإن الضرب هنا ليس المقصود به الإيذاء الشديد أو الإهانة المبرّحة، بل هو وسيلة تأديبية أخيرة بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى كالوعظ والهجر…
أما ما يتعلق بتوجيه الزوجة والأولاد لطاعة ربهم سبحانه، فيجب أن يكون بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة؛ كما أمر الله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [سورة النحل: 125].
وقد يحتاج المربي في بعض الأحيان لشيء من القسوة كما أسلفت، ولكن هذه القسوة ما ينبغي أن تتجاوز الحد وأول شيء ينبغي مراعاته في العقوبة:
– أن تكون بهدف الإصلاح وليس التشفي والانتقام.
– لا يجوز في العقوبة ضرب الوجه، والأماكن الحساسة، ولا كسر عضو من أعضاء الجسد، بل ينبغي أن يكون الضرب غير مبرح بحيث لا يسبب أذى جسدياً أو نفسياً.
وأخيراً: إذا كان الله تعالى قد أجاز ضرب الزوجة – بشروطه – فهذا يعني أن الله تعالى – العليم الخبير – يعلم أن هناك بعض القضايا التي لا يمكن حلها إلا باستخدام هذه الوسيلة، مصداق قوله تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] وكذلك القول في تجويز المصطفى صلى الله عليه وسلم لضرب الأولاد للصلاة.
وصدق الشاعر المتنبي حين قال:
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً … فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): صحيح البخاري (4601).
(2): سنن أبي داوود (495).
(3): مسند أحمد (24938).
(4): سنن الترمذي (3895).
الشيخ أنس الموسى
هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م
تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.
قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.
حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة، على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.
درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.
إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.
مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.
حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.
أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.