ما بعض الطرق للحفاظ على الأمانة في الإسلام؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما بعض الطرق للحفاظ على الأمانة في الإسلام؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

الأمانة ضد الخيانة في كل الأمور المادية أو المعنوية، و هي من أعظم صفات المؤمنين؛ و لذلك لا بد من القيام بحقها و حفظها، و هذا يكون من خلال مجموعة من الخطوات و الطرق، كاستشعار أهميتها و مكانتها و فضلها من خلال ما ورد فيها من النصوص الشرعية، و من خلال ربطها بالإيمان و الدين فلا دين لمن لا أمانة له، و كذلك من خلال ربطها أيضاً بالصدق في كل التعاملات و الأحوال، و كذلك من خلال تربية الأولاد على التحلي بها و اكتسابها منذ الصغر و متابعتهم فيها، و الله أعلم.

البيان و التفصيل :

أصل الأَمْن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمانة مصدر (أَمِنَ ) -بالكسر – فهو أمين.

وهي: ضِدُّ الْخِيَانَةِ، وتُطْلَقُ عَلَى: كُل مَا عُهِدَ بِهِ إِلَى الإِنْسَانِ مِنَ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالْعِبَادَةِ وَالْوَدِيعَةِ، وَمِنَ الأَمَانَةِ: الأَهْل وَالْمَال، كما في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال 27] ، أي: ما ائتمنتم عليه،

وقوله تعالى : ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾ [الأحزاب ٧٢]

يقول في لسان العرب: “والأَمانةُ تَقَعُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَدِيعَةِ والثِّقةِ والأَمان، وَقَدْ جَاءَ فِي كُلٍّ مِنْهَا حَدِيثٌ.” (1)

و الخلاصة :

فالأمانة هي خُلُقٌ عظيمٌ من أخلاق الإسلام، وهي أيضاً كلُّ حقٍّ لزمك أداؤه وحفظه تجاه الله تعالى أو تجاه الناس

والحفاظ على الأمانة في الإسلام يكون عن طريق الأمور الآتية :

أولاً – استشعار أهمية الأمانة: من خلال ما ورد فيها من الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة التي تأمر بأدائها، و تحضُّ على التخلّق بها، و بيان فضلها و مكانة أهلها من جهة، و تحذّر من تضييعها و التساهل فيها، أو تحذر من الخيانة و الاتصاف بها و مشابهة أهلها من جهة أخرى

يقول تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[النساء ٥٨]

وقال تعالى في ذكر صفات المفلحين من المؤمنين : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون 8]، يقول الطبري: “يقول تعالى ذكره: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ﴾ التي ائتمنوا عليها ﴿وَعَهْدِهِمْ﴾ وهو عقودهم التي عاقدوا الناس ﴿رَاعُونَ﴾ يقول: حافظون لا يضيعون، ولكنهم يوفون بذلك كله.

وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه- أن رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «آيةُ المُنافقِ ثلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعدَ أخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (2) .
وفي رواية لمسلم: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ».

ثانياً – ربط الأمانة بالإيمان؛ وأن التفريط بها هو تفريط بالإيمان: كما ورد في نصوص شرعية كثيرة، منها :

– عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه أنه قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إلاَّ قَالَ: “لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ”.(3) رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار و غيرهم

– وعَنْ أَنَسٍ أيضاً قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ” رواه أحمد (4)

ثالثاً – عن طريق ربط الأمانة بالصدق:

روى البيهقي بسنده، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ” إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى، وَأَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، أَلَا وَإِنَّ الصِّدْقَ عِنْدِي الْأَمَانَةُ، وَالْكَذِبَ الْخِيَانَةُ، أَلَا وَإِنَّ الْقَوِيَّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، وَالضَّعِيفَ عِنْدِي قَوِيٌّ حَتَّى آخُذَ لَهُ الْحَقَّ، … “(5)

رابعاً – من خلال تربية الأبناء و البنات منذ الصغر على التحلي بخلق الأمانة : و متابعتهم على ذلك حتى بعد أن يكبروا، كما هو الحال في ليلة الهجرة؛ كيف خلّفَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم علياً رضي الله عنه مكانه ليردَّ الودائع و الأمانات إلى أهلها، و الأحاديث و المواقف في ذلك كثيرة و منها:

-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: « خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَلَا سَبَّنِي سَبَّةً، وَلَا انْتَهَرَنِي وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي، وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَوْصَانِي بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، اكْتُمْ سِرِّي تَكُ مُؤْمِنًا»، فَكَانَتْ أُمِّي وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أُخْبِرُهُمْ بِهِ، وَمَا أَنَا بِمُخْبِرٍ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا أَبَدًا، ».(5)

بناء على ما سبق :

اعلم أخي السائل الكريم : أن الأمانة خلقٌ عظيمٌ من أخلاق هذا الدين و به يتميز المؤمنون عن المنافقين؛ فحريٌ بنا أن نحافظ على هذا الخلق في كل ما يتعلق بأمور الدنيا و الدين و فيما يتعلق بالعلاقة مع الله تعالى أو مع سائر الناس في الأمور المادية كالودائع و الأمانات ، أو في الأمور المعنوية كالقيام بحق المسؤوليات و حفظ العهود و المواثيق و الأسرار كما بينَا أعلاه، و الله الموفق

المصادر و المراجع :

1- لسان العرب لابن منظور، مادة (أمن): [13\22]، و ينظر أيضاً :كتاب تاج العروس من جواهر القاموس ، مرتضى الزبيدي: [34\185]
2- صحيح البخاري : رقم (33)، [1\15]، و صحيح مسلم : رقم (59)، [1\59]
3- مسند الإمام احمد : [3\135 ] برقم ( 135)، وابن أبي شيبة في المصنف [11\11] برقم (10369)، والبزار [1\68] برقم (100)
4- أحمد في مسنده: رقم ( 12560) [20\29]
5- البيهقي في السنن الكبرى: برقم (13009) [6\574]
6- مسند أبي يعلى، [6\306] (3624)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ