ما المنهج الإيماني الذي رسمه السلف في تربية الأولاد؟

 يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

ما المنهج الإيماني الذي رسمه السلف في تربية الأولاد؟

الجواب

 الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
لا يملك المرء منا عندما يقرأ في حال السلف مع أبناءهم ، إلا أن يتملكه العجب ، وترتسمه الدهشة ، وتزداد الغبطة ، وتحتويه الفرحة… في شمولية التربية التي ساهموا في إعدادها لأبنائهم ،وهى بحق السبب الحقيقي الذى أنتج شخصيات عظيمة ،وأجيالاً حكيمة …لازالت مضرباً للأمثال ،ومحطاً للآمال .
فالبداية كانت في تعلم الأيمان فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ (جَمْعُ الْحَزْوَرِ وَيُقَالُ لَهُ : الْحَزَوَّرُ :هُوَ الْغُلَامُ إِذَا اشْتَدَّ وَقَوِيَ وَحَزَمَ ، أوهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ) فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا  ([1]).
فما هي أبواب الأيمان التي كانوا يعلمونها أبناءهم قبل القرآن :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ “ “([2])

(1) تربيتهم على مراقبة الله :

فهذا الحديث العظيم والتوجيه التربوي من الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الأطفال فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يَا غُلَامُ ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَلْتَسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ” . ([3]) . رواه الترمذي
• الأمام السلمي لما أراد الحج قال : استأذنت امى في الحج ،فقالت لى : توجهت الى بيت الله فلا يكتبن عليك حافظاك شيئاً تستحي منه غدا ([4]).
والمراد بحفظ الله كما بينها ابن رجب رحمه الله :: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال ،وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه الى ما نهى عنه([5])

(2) مجانبة أهل الكفر والانحراف : كما تربى الأجيال على محبة أهل الأيمان :

• فقد قال انس بن مالك : كانوا يعلمون أولادهم محبة الشيخين كما يعلمونهم السورة من القران([6])
• قال صالح بن الأمام احمد بن حنبل: كان أبى يبعث خلفي اذا جاءه رجل زاهد أو متقشف لأنظر اليه يحب ان أكون مثله([7]) ،

(3) تعظيم حرمات الله ونواهيه

عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ ابْنٌ لَهُ : إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ . فقال: فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَقُولُ إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ ؟([8])
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا إِلَى جَنْبِهِ ابْنُ أَخٍ لَهُ ، فَخَذَفَ ، فَنَهَاهُ وَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ، وَقَالَ : إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا ، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا ، وَإِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ . قَالَ : فَعَادَ ابْنُ أَخِيهِ يَخْذِفُ ، فَقَالَ : أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ، ثُمَّ تَخْذِفُ ؟ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا ([9]).

(4) تحفيظهم كتاب الله :

أول ما يجب أن يعنى به الوالدان هو الحرص على أن يحفظ الأبناء كتاب الله منذ صغرهم فيشبوا وقد علقت قلوبهم حب الله ، وتعظيم كتابه ، وتدبر آياته… فيأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه ، فان كانت من مكارم الأخلاق أطّلع عليها و أقتدى بها، وان كانت عبراً وعظاتٍ، اعتبر بها وقرعت فؤاده، وكان السلف الصالح أول ما يسألون عنه حفظ كتاب الله، وهذه قصة عمر بن أبى سلمة أصح دليل على سرعة حفظ الطفل والحث على المسارعة في تحفيظ الأبناء:
عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ ، مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ ، أَوْحَى اللهُ بِكَذَا ، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِي صَدْرِي ، ([10])
ومما يدل على ان هذا دأب الصحابة ما روي عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ . قَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ .([11]) (أي من الحجرات الى آخر القرآن)
وقال أيضاً : سلوني عن التفسير فإني حفظت القرآن وأنا صغير([12]) .
وعن ابن عباس قال : من قرأ القرآن قبل ان يحتلم فهو ممن أوتى الحكم صبيا([13])
 ومما يستطرف في هذا الشأن حكاية الفرزدق حيث دخل مع أبيه على علي بن ابى طالب رضي الله عنه وقال له : ان ابني يوشك ان يكون شاعراً فقال له : أقرئه القرآن فهو خير له!
فقال : ما زالت كلمته في نفسي حتى قيّد نفسه بقيد وآلي ان لا يفكه حتى يحفظ القرآن فما فكه حتى حفظه([14])

(5) تأديبهم على ترديد الأدعية :

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الأدعية سواء أذكار الصباح والمساء أو المتفرقة ، وجاء عنه الحرص الشديد في بعضها حتى قال في حقها الصحابة كان يعلمنا هذا الدعاء كما كان يعلمنا السورة من القرآن كما جاء عن ابن عباس:” أعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، …” ([15])

(6) الصبر على الطاعات :

ان أم الأسود بن يزيد قعدت من رجليها فجزعت ابنة لها .فقالت : لا تجزعي ، اللهم ان كان خيرا فزد !([16])
 و جاء في سير أعلام النبلاء عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:غُشِيَ عَلَى مَسْرُوْقٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ تَبَنَّتْهُ، فَسَمَّى بِنْتَهُ عَائِشَةَ، وَكَانَ لاَ يَعْصِي ابْنَتَهُ شَيْئاً. قَالَ: فَنَزَلتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَفْطِرْ وَاشْرَبْ. قَالَ: مَا أَرَدْتِ بِي يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتِ: الرِّفْقَ.
قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّمَا طَلَبْتُ الرِّفْقَ لِنَفْسِي فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ أَلْفَ سَنَةٍ. ([17])
نسأل الله أن يتولى أولادنا بحفظه و رعايته و عنايته

([1]) أخرجه ابن ماجه (61) والبيهقي (5375)
([2]) أخرجه البخاري (9) ومسلم (35) ،
([3]) أخرجه الضياء المقدسي (12) والحاكم (6359) والترمذي (2516) وأحمد (2713)
([4])سير أعلام النبلاء للذهبي (17/249)
([5])جامع العلوم والحكم (1/492)
([6]) (السنة للخلال)
([7])سير أعلام النبلاء للذهبي ( 12/ 529)
([8]) أخرجه البخاري (865) ومسلم (442) وابن ماجه (16)
([9]) أخرجه البخاري (6220) ومسلم (1954) وابن ماجه (17)
([10]) أخرجه البخاري (4302)
([11]) أخرجه البخاري (5035)
([12]) فتح الباري لابن حجر8/701
([13])الآداب الشرعية لابن مفلح (1/244)
([14])خزانه الأدب ( 1/222)
([15]) أخرجه مسلم (590) والطبراني (1021)
([16])الرضا عن الله( 94)  الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا (125)
([17])سير أعلام النبلاء للذهبي ( 4 / 68)