ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؟

 يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى 

السؤال

ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؟

الجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الحديث مروي عَنْ أَنَسٍ بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

“انْصُرْ ‌أَخَاكَ ‌ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا”.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولُ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:
“تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، من الظلم فإن ذلك نصره” (1)
وفي رواية: “فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: “تأخذ فوق يديه” . (2)  ومعنى “تأخذ فوق يديه”: أي تمنعه من الظلم.
ومعنى الحديث: أن هناك قاسماً مشتركاً بين المسلمين، وهو أخوة الإسلام، وهذه الأُخوَّةُ تَتعلَّقُ بها حُقوقٌ وَواجباتٌ مِنَ الأخِ تُجاهَ أخيهِ، ومِنها: أن ينصره حالِ كَونِه مَظلومًا بالسَّعْيِ في تخليصِه مِن مَظلَمَتِه، ويكونُ عونًا له، ويكونُ معه على الظَّالمِ، وأن يمنعه من الظُّلْم إنْ وَجَدَه ظالماً. (3)

 

وتفصيل ذلك:
النصرة في كلام العرب أصلها بمعنى المعونة، فإعانتك أخاك هي نَصرُه.
فأما
 الأخ المظلوم:
فلا شك أن إعانته وتخليصَه ممَّن ظَلَمَهُ نصرٌ له وذلك مطلوب، وهذا واضح لا يحتاج لبيان.
وأما
 ما يتعلق بالظالم ونصرتِه:
فهذا الذي استغربه الصحابي؛ وذلك أنهم تعلموا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا على يد الظالم لا أن ينصروه، فبَيَّنَ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كيفية ذلك بقوله: «تَحجُزُه، أو: تَمنَعُه مِنَ الظُّلمِ»؛ فإنَّ ذلك المنعَ نصْرُه.

 

ووجهه:
 أنَّ هذا الذي يظلم غيره يكون متعدياً؛  فيكون ذلك سببًا لحصول الإثم له؛ لوقوعه في الوعيد، وقد يكون هذا الظلم سببًا لمصيبةٍ تقع له، أو غير ذلك من الأمور المكروهة التي تقع للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وأنَّك إذا مَنَعته عن ظُلمِه فقدْ نصَرته على هواهُ وشَيطانِه الَّذي يُغويه، وعلى نفْسِه الَّتي تَأمُرُه بِالسُّوءِ، وذلك هو أفضلُ النَّصرِ، ولأنَّك إذا تركته على ظُلْمِه ولم تكُفَّه عنه، ربما أدَّاه ذلك إلى أن يُقتَصَّ منه؛ فكان مَنْعُه له عن الظلم ممَّا يُوجِبُ عليه القِصاصَ نَصْرًا له.

 

ملحوظة:

(‌انْصُرْ ‌أَخَاكَ ‌ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا): هذه كلمة كانت تقولها العرب عن عصبية وجاهلية، فتراهم ينصرون أصحابهم وعشيرتهم على أي حال كانوا ظالمين أو مظلومين؛ لهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أحلاف الجاهلية فقال: 

” ‌لَا ‌حِلْفَ ‌فِي ‌الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً “ (4)

نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن هذا النوع من الحِلْف، الذي كان يتحالف عليه أهل الجاهلية؛ وذلك أن الجاهليين كانوا يتعاقدون ويتعاهدون فيقولون: هدمي هدمُك، ودمي دمُك وترثني وأرثك، وكان في هذا الحلف أشياء قد حظرها الإسلام، وهو أنه كان يشرط أن يحامي عليه ويبذل دمه دونه ويهدم ما يهدمه فينصره على الحق والباطل، ويحصل التوارث بسببه، وقد أبطلت الشريعة هذا الحلف وأوجبت معونة المظلوم على الظالم حتى ينتصف منه، وأن لا يلتفت إلى قرابة ولا غيرها، كما قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى ‌أَنْ ‌تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135]

فأمر الله تعالى بالعدل والقسط في الأجانب والأقارب، وأمر بالتسوية بين الجميع في حكم الله تعالى فأبطل ما كان عليه أمر الجاهلية من معونة القريب والحليف على غيره ظالماً كان أو مظلوماً.

فقال: «لا حلف في الإسلام» لأن التحالف على النصرة، والمحاماة من غير نظر إلى أحكام الشريعة مرفوض في الإسلام.

قال ابنُ الأثير في “النهاية”: أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بَيْنَ القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله: “لا حِلْفَ في الإسلام”، وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم، وصلة الأرحام، كحِلْفِ المُطَيَّبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

“وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة”،

يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام. (5)

وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

“شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ” (6) 

وعُقد حِلْفُ المُطَيَّبين حين: حَلف عبد مناف وأسد وزهْرة وتيم في المسجد عند الكعبة على أن لا يتخاذلوا، ويَنصروا المظلوم، ويصلوا الرحِمَ، ونحو ذلك، فأخرجت بنو عبد مناف جَفْنة مملوءة طِيباً، فوضعتها لأحلافهم، ثم غَمَس القوم أيديَهم فيها وتعاقدوا، فسُموا المطيَّبين، وتعاقدت بنو عبد الدار وجُمَحُ ومخزوم وعدِي وكعب وسَهْم حِلفاً آخرَ مؤكِّداً، فَسُموا الأحلافَ لذلك، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر من المطيبين، وكان عمر من الأحلاف. (7) 

وقال الإمام النووي: المنفي حِلفُ التوارث، وما يَمنَعُ منه الشرع، وأما التحالفُ على طاعة الله، ونصرِ المظلوم، والمؤاخاة في الله تعالى، فهو أمرٌ مرغَّبٌ فيه. (8)

ومثالُ نصر الظالم في نهيه عن ظلمه، مثالُ الطفل الصغير إذا ذهب يحبو يريد أن يأخذ شيئًا يضره ويؤذيه، فإنه يُمنع من هذا حتى لو بكى، وما هذا إلا لمصلحته، لأن تعاطيه لهذا الشيء هو عين الضرر له، فإذا حيل بينه وبين ما يضرُّه فإن هذا هو منفعته.

وأختم الإجابة ببعض الأحاديث المروية عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:

  • عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَّنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ النَّاسَ ‌إِذَا ‌رَأَوْا ‌الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ (9) 
  • “الْمُسْلِمُ ‌أَخُو ‌الْمُسْلِمِ، ‌لَا ‌يَظْلِمُهُ ‌وَلَا ‌يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”(10)
  • “مَنْ ‌أُذِلَّ ‌عِنْدَهُ ‌مُؤْمِنٌ ‌فَلَمْ ‌يَنْصُرْهُ، وَهُوَ يقَدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. (11)
  • «مَا مِنَ امْرِئٍ ‌يَخْذُلُ ‌امْرَءًا ‌مُسْلِمًا ‌فِي ‌مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِي حُرْمَتِهِ وَيُنْتَقِصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَتُنْتَهَكُ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ». (12)
  • وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يشد بعضه بعضًا”. وشبك بين أصابعه. (13)
  • وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أخيه كان الله في حاجته”. (14)
  • وعن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، فَذَكَرَ: (عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلَامِ، ونصرَ المظلوم، وإجابةَ الداعي، وإبرارَ المقسم”. (15)
وأخيراً: أين نحن من القيام بهذه الحقوق والواجبات كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا ما أكثر المظلومين في زماننا يا رسول الله، وكم يَرى الناس من إنسان يُنتهك عرضه وتُداس كرامته ويُسْلَبُ ماله ويُسفَك دمه، ثم لا يجد من ينصره أو من يقف بجانبه، وأصبح هذا الحق والواجب ضائعاً وغريباً في حياتنا.. قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرا} [النساء:75].
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):صحيح البخاري (6552)؛ مسند أحمد (11949).
(2):صحيح البخاري (2312).
(3):معجم العين للفراهيدي (7/108).
(4): مسند أحمد (16761).
(5):جامع الأصول لابن الأثير (6/565).
(6):مسند أحمد (1655).
(7):ينظر: غريب الحديث للخطابي (2/478)؛ الفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/311)؛ فتح الباري لابن حجر (4/473).
(8): ينظر: فتح الباري لابن حجر (10/502).
(9):مسند أحمد (30).
(10):صحيح البخاري (2310).
(11):مسند أحمد (15985).
(12):مسند الشاشي (1077).
(13):صحيح البخاري (2314).
(14):صحيح البخاري (6551).
(15):صحيح البخاري (2313).