ما الفرق بين أركان الإيمان و أركان الإسلام؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما الفرق بين أركان الإيمان و أركان الإسلام؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين و بعد :

أركان الإيمان ستة ” الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره “

وأما أركان الإسلام فهي خمسة وهي:” شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا”

والفرق بينهما:

أن الإيمان هو الاعتقاد والتصديق الجازم في القلب بكل هذه الأركان الستة

وأما الإسلام فهو الخضوع والامتثال والتطبيق العملي الموافق للإيمان أو هو العمل الظاهري بمقتضى هذا الإيمان القلبي

ولا بد من تكامل هذه الأركان مع الإحسان -كما ذُكر ذلك في حديث جبريل- ليكون العبد مؤمناً أو مسلماً حقاً.

التفصيل والبيان:

قبل بيان أركان الإيمان و الإسلام و الفرق بينهما لا بد لنا أن نعلم -أيضاً- أن للدين ثلاثة أركان و هي: الإيمان والإسلام والإحسان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام، فعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال:” بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه،

وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤْتيَ الزكاةَ، وتَصُومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سَبِيلًا)، قال:  صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه

قال:  فأخبرني عن الإيمان قال: (أنْ تُؤمِنَ بالله، وملائكته، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ )، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: فأخبرني عن الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال:  فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم انطلق فلبثت ملياً، ثم قال : يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم” رواه مسلم. (1)

يقول ابن دقيق العيد معلقاً على هذا الحديث:” هذا حديث عظيم قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة” (2)

فقد دل هذا الحديث الشريف على أركان الإسلام الخمسة كما في حديث سيدنا عبد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ،وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ،وَالْحَجِّ ،وَصَوْمِ رَمَضَانَ ).متفق عليه (3)
كما دل أيضاً على أركان الإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾[البقرة ٢٨٥]

الفرق بين أركان الإيمان وأركان الإسلام:

لتوضيح الفرق بينهما ينبغي – أولاً – أن نعرِّف كلاً من لفظ الإيمان ولفظ الإسلام ثم نذكر أقوال العلماء في التفريق بينها.

فالإيمان لغةً: التصديق بالقلب، أو هو الإذعان القلبي والإقرار الداخلي بصدق أمر ما

واصطلاحاً: هو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان. (4)

أو هو: تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به وعُلم من الدين بالضرورة.

فالإيمان إذاً هو عمل القلب أو الباطن

وأما الإسلام لغة: فهو الاستسلام والخضوع لأمر ما

واصطلاحاً: هو الخضوع والامتثال والانقياد لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما عُلم من الدين بالضرورة، (5)

فالإيمان إذاً هو عمل الباطن أو القلب ، و أما الإسلام فهو العمل الظاهري بمقتضى هذا الإيمان القلبي، أو هو عمل الجسد والجوارح .

ولا بد من تكامل هذه الأركان مع الإحسان، ليكون العبد مؤمناً أو مسلماً حقاً، وهذا المعنى بينه النبي صلى الله عليه وسلم واختصره في كلمتين فقال : ” قل آمنت بالله ثم استقم” رواه مسلم (6)

و لزيادة الفائدة أقول : الإسلام والإيمان – كما يقول العلماء- :هما من المعاني التي إذا اجتمعت افترقت ، و إذا افترقت اجتمعت .
يعني: أنهما من الألفاظ التي تأتي تارة مترادفة في المعنى، إذا ذكرت في مواضع متفرقة، كما في قوله تعالى ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الذاريات 35-36]

فهنا قد افترقت وذكرت في موضعين؛ فكل لفظ يدل على نفس معنى الآخر.

و تارة تأتي مختلفة المعنى إذا ذكرت في موضع واحد أو سياق واحد ،كما في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[الحجرات ١٤]

فهنا أفادت معنى مختلفاً ،و كما جاء معنا أيضاً في حديث جبريل، حيث فرق النبي صلى الله عليه و سلم بين الإيمان و الإسلام.

و يقول الإمام ابن رجب في كتابه جامع العلوم و الحكم موضحاً معنى آخر في التفريق بين لفظي الإيمان والإسلام :” فهكذا اسمُ الإسلام والإيمانِ: إذا أُفرد أحَدُهما، دخل فيه الآخر، ودلَّ بانفرادهِ على ما يدلُّ عليهَ الآخرُ بانفراده، فإذا قُرِنَ بينَهُما، دلَّ أحدهُما على بعض ما يدلُّ عليه بانفرادهِ، ودلَّ الآخر على الباقي. وقد صرَّح بهذا المعنى جماعةٌ مِنَ الأئمَّةِ”.(7)

 بناءً على ما سبق:

فإن الإيمان و الإسلام كلاهما من أركان الدين و يضاف إليهما الإحسان الذي هو الركن الثالث ، و لا بد من تكامل هذه الأركان كلها ليكون العبد مؤمناً أو مسلماً حقاً.
فالإيمان هو عمل القلب والإسلام هو عمل الجوارح و الإحسان هو روح العبادة و سر الإخلاص و المراقبة و الحضور مع الله سبحانه و تعالى فيها ، والله أعلم.

المصادر و المراجع :

(1) –  صحيح مسلم : ط التركية[1\28] رقم الحديث 8  و ينظر أيضاً الأربعين النووي الحديث رقم 2

(2) –  شرح الأربعين النووية  لابن دقيق العيد ، صفحة 29

(3) –  صحيح البخاري – ط السلطانية [1\11] رقم الحديث 8 .
و صحيح مسلم – ط التركية [1\34] رقم الحديث 16

(4) – كتاب التعريفات للإمام  الشريف الجرجاني، طبعة دار الكتب العلمية بيروت ، ط1 ،ص (40)

(5) – المرجع السابق ص (23) ، وينظر أيضاً : كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للإمام الباقلاني صفحة ( 389 -392 )

(6) –  صحيح مسلم – ط التركية [1\47] رقم الحديث 38
و ينظر أيضاً كتاب الأربعين النووي الحديث رقم 21

(7) – جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب ، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط7، [1\105-106]

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ