ما السبل التي علينا اتخاذها لنتخلى عن العادات السيئة ونتحلى بالأخلاق الفاضلة؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما السبل التي علينا اتخاذها لنتخلى عن العادات السيئة ونتحلى بالأخلاق الفاضلة؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد :

هناك عدة طرق و سبل في كيفية التخلي عن الأخلاق و العادات السيئة و التحلي بالأخلاق الفاضلة و العادات الحسنة، و أهم هذه الطرق:

أولاً – التعليم و التوجيه النظري : و هذا يكون من خلال معرفة تلك الأخلاق الكريمة الفاضلة و كيفية اكتسابها و آثارهما و الثوب المترتب على التحلي بها، و قد جاءت الكثير من للأيات و الأحاديث التي توضح كل هذه الأمور و سنذكر بعضها باختصار
يقول الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ .[الشمس 7-10]
وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكم إِليَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِني مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنُكُم أخلاقاً، وَإِنَّ أَبغَضَكُمْ إِليَّ، وَأبْعَدَكُمْ مِني مَجْلساً يَومَ القِيامةِ: الثَّرْثَارونَ والمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قالوا: يا رسولَ الله، قد عَلِمْنَا الثَّرثَارون والمُتَشَدِّقون، فما المُتَفَيْهِقونَ؟ قال: المُتَكَبِّرونَ» (1)

ثانياً – اتخاذ خطوات عملية، و منها:
ترك مقدمات المعاصي و البعد عن بيئتها الواقعية أو الافتراضية، و  مصاحبة الصالحين، و المواظبة على الأذكار، و المحافظة على العبادات و خاصة الصلاة، مع كثرة الدعاء و التوجه إلى الله و طلب العون منه في ذلك، مع إشغال النفس بالعمل أو بما هو مفيد كالرياضة و غيرها،
و قد جاءت النصوص الشرعية لتؤكد على هذه الخطوات ومنها:

– قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة119]
– حديث الرجل الذي قتل تسعة و تسعين رجلاً  ، و قد جاء فيه :” …  ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ. فقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناسًا يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ، ولَا تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ، … الحديث».(2)
-وعن أَبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.(3)
 و كما في حديث حُذَيْفَةُ رضي الله عنه أن قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.” (4)

فهذه أهم الطرق و السبل النظرية و العملية في التحلي بمكارم الأخلاق و العادات، و التخلي عن سيئها ، مع الإكثار من الدعاء و التوجه إلى الله تعالى بالهداية و الثبات ، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء و الله أعلم.

الهوامش:
1- سنن الترمذي : رقم (2018)
2- صحيح البخاري : رقم (3470) . و صحيح مسلم : رقم (2766)
3- صحيح البخاري : رقم (2101)، و صحيح مسلم : رقم (2628)
4- صحيح مسلم رقم (144)

الشيخ عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ