ما السبب في وجود أجواء خاصة في شهر رمضان تعين المسلمين على أولوية فعل الخير والصدقة والرحمة تجاه الآخرين؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

ما السبب في وجود أجواء خاصة في شهر رمضان تعين المسلمين على أولوية فعل الخير والصدقة والرحمة تجاه الآخرين؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك هناك أمور كثيرة تؤثر في وجود هذه الأجواء التي تسأل عنها، وإليك بعضها:

الجوع الإجباري: الذي فرضه الله تعالى على الأغنياء والفقراء، وشعور الغني بعضة الجوع يذكّره بجوع الفقير وحاجته، فيقبل على مساعدته وتقديم العون له.

الطاعة المشتركة: التي يقوم بها كل أصناف الناس غنيهم وفقيرهم ذكرهم وأنثاهم من صيام وصلاة وقراءة قرآن، فالجميع أو أغلب الناس يلتقون في صلاة التراويح، وأغلب الناس ممتنع عن المفطرات في نهار رمضان، فهذه الطاعة المشتركة تخلق نوعاً من الوحدة الشعورية، حيث يتذكر الناس بهذه الطاعة معنى أخوة الإيمان والعقيدة، فيقبلون على مد يد العون للمحتاجين من إخوانهم، فينتشر في رمضان بين المسلمين بسبب ذلك معاني قول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ‌مَثَلُ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌فِي ‌تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». (1)

صلاة التراويح: وهي من قيام الليل، وصلاة قيام الليل تليّن القلب القاسي وترققه؛ مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّ ‌نَاشِئَةَ ‌اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6] فيندفع المسلم ليتفقد الأرامل والمساكين والمحتاجين.

الرغبة في تحصيل الأجور: ففي رمضان يحاول المسلم تحصيل أكبر قدر من الأجر والرضا من الرحمن سبحانه، فهو سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ” ‌مَنْ ‌فَطَّرَ ‌صَائِمًا، كَانَ لَهُ، أَوْ كُتِبَ لَهُ، مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا..”. (2)  فيقبل على اغتنام هذا الأجر الذي بشّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رمضان تضاعف الأجور والحسنات، لهذا يدخر الناس زكواتهم لرمضان رغبة في تحصل الأجر المضاعف.

قراءة القرآن: في رمضان يقبل المسلمون على قراءة القرآن التي تفعل فعلها في قلب المؤمن تأثراً وزيادة في الإيمان.. وكل هذا يدفع المسلم لمد العون لأخيه المسلم، مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ‌وَإِذَا ‌تُلِيَتْ ‌عَلَيْهِمْ ‌آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2] وكذلك يسمع المصلون ويقرأون في رمضان قول الله تعالى: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد: 18] فيقبلون على اغتنام الأجر من الله سبحانه.

وأخيرًا: شريعة الصيام تذكر المسلمين، أن تشريع الباري لهذه الفريضة ليس الغرض من إتعاب الناس وإشقاءهم، وإنما الغاية منه تحقيق التقوى التي قال تعالى فيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): صحيح مسلم (2586).
(2): مسند أحمد (21676).

الشيخ أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.