ما الأساليب التي يوصي بها العلماء لحفظ القرآن الكريم وفهم معانيه؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما الأساليب التي يوصي بها العلماء لحفظ القرآن الكريم وفهم معانيه؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لا شك أن حفظ القرآن من أعمال الخير المبرورة وقد أخبر المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ” إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ، ‌كَالْبَيْتِ ‌الْخَرِبِ”. (1)

والقرآن الكريم كلام الله تعالى، وقد جعله الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه ميسَّراً سهلاً للذكر والحفظ؛ مصداق قوله سبحانه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:17]

ومما لا شك فيه أن الناس متفاوتون في مدى إدراكهم وقدرتهم على الحفظ، وكلٌّ بحسب طاقته واستطاعته وانشغاله وطبيعة حياته، لكن مع ذلك من يريد حفظ القرآن، ما ينبغي له أن يستجيب لداعي التسويف، فالأعمار تنقضي والموت يأتي بغتة، وحينها سيندم الإنسان على ما فاته من تحصيل أبواب الخير.

أما بالنسبة للطريقة الأنسب لحفظ كتاب الله تعالى؛ فالأساليب كثيرة، وكل شخص حَفِظ القرآن قد سلك طريقة لا تنطبق تماماً مع شخص آخر، لكن هناك نقاط مشتركة بين كلِّ من حفظ القرآن سأذكر لك بعضها، علَّها تساعدك على الحفظ بمشيئة الله تعالى:

1- مباشرة القراءة والحفظ بنية صادقة وعزيمة ثابتة لا تردُّدَ فيها ولا انقطاع، وعليك بالصبر والاستمرار والمداومة ولو على القليل، وستحصل بإذن الله تعالى مرادك؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع، وصدق من قال:

إن الأمور إذا سُدت مسالكُها … فالصبر يفتِقُ منها كلَّ ما ارتَتَجا
لا تيأسنَّ وإنْ طالت مطالبةٌ … إذا استعنتَ بصبرٍ أن تَرى فَرجا
أَخْلِق بذي الصبر أن يَحظى بحاجته … ‌ومُدمِنِ ‌القرعِ ‌للأبواب أن يَلجا

2- التلاوة والحفظ بشكل يومي، أو شبه يومي، وكلما واظبت على الحفظ، كلما صار الحفظ عليك أسهل.

3- اصحب شيخاً ماهراً بالقرآن، تقرأ عليه ما تحفظ بشكل مرتب على أيام الأسبوع.

4- تشارك الحفظ مع أخٍ أو إخوة آخرين؛ ليشد كلُّ واحدٍ منكم عزيمة الآخر، ويحصلَ نوع من التنافس بينكم وإذا لم يكن هذا ميدان التنافس الذي يرضى الله عنه، فما هو؟!

5- تعاهد المحفوظ بالمراجعة المستمرة كل يوم، ما دامت محفوظاتك قليلة، فإذا كثر المحفوظ فاجعله أوراداً تقرأ كل يوم منه وِرداً. ويفضل أن تكون المراجعة في قيام الليل؛ فكلّ ما تحفظه في النهار تراجعه في قيام الليل؛ فلهذا الوقت شأنه وخصوصيته. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ ‌تَفَلُّتًا ‌مِنَ ‌الإِبِلِ ‌فِي ‌عُقُلِهَا”. (2)

6- قراءة الأحاديث الواردة في فضل أهل القرآن، وفضل حملته – وما أكثرها – فهذا مما يشحذ الهمة ويدفع على المثابرة والمتابعة؛ كحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌أَشْرَافُ ‌أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ». (3)  وقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ”، قَالَ: قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ ‌أَهْلُ ‌اللهِ، ‌وَخَاصَّتُهُ”. (4)

7- الإخلاص لله تعالى؛ بأن تجعل قصدك وهدفك من الحفظ التقرب إليه سبحانه.

8- تقوى الله تعالى، بالبعد عن المعاصي والآثام؛ فلا يخفى ما للمعاصي من أثرها على القلب الذي يكون فيه الحفظ. ومما يُنسب للشافعي رحمه الله تعالى قوله:

شكوت إلى وكيع سوءَ حفظي… فأرشدني إلى تركِ المعاصي
وقال اعلم بأنَّ العلمَ نورٌ… ونورُ الله لا يُهدى لعاصي

9- وهناك بعض الأمور المساعدة على التركيز وتمكين الحفظ منها:

أ- اختيار المكان المناسب للحفظ، ويفضَّلُ أن يكون المكان الذي تحفظ به هو نفس المكان الذي تحفظ به كل مرة، وإن استطعت أن يكون حفظك أيضاً بنفس الوقت؛ فهذا يجعل عندك استعداداً للحفظ بمجرد دخول الوقت والمكان.

ب- الاقتصار على طبعةٍ مخصصة من المصحف لا تحفظ بغيرها، ويفضَّل أن تكون تلك التي تبدأ كل صفحة فيها بآية جديدة، وتنتهي بنهاية آية.

ج- الربط بين المحفوظات، سواء بين الآيات أو بين السور؛ فلا بد للحفظ حتى يثبت أن يكون مترابطاً
فكلما حفظت آية فأعد ربطها مع الآية التي قبلها، ثم انتقل إلى آيات أخرى تربطها ببعضها حتى تنتهي من الصحيفة الأولى، وبعدها عليك ربط جميع آياتها قبل الانتقال إلى صحيفة أخرى، وكذلك ينبغي أن تفعل عندما تُكمل حفظ السورة، ولا تشرع بغيرها حتى تعيد تكرارها وتثبتها، وهكذا تفعل مع السور الجديدة.

د- ربط الآيات المتشابهة في السورة الواحدة والسور الأخرى، ويفضَّل الاعتماد على الكتب التي تعتني بذكر هذه المتشابهات؛ لتستحضر مواضع التشابه أثناء المراجعة، مثل كتاب: موسوعة المتشابهات لتسهيل حفظ الآيات د. ياسر محمد مرسي بيومي.

و- الاستعانة بالمصحف المجزَّأ؛ فهذا يساعدك على بقاء الهمة متوقدة؛ فهو يشعرك كلما انتهيت من جزء وشرعت في جزء آخر أنك تقوم بالإنجاز، وعما قريب سيكتمل مشروعك مع آخر جزء.

ي- حاول قبل الحفظ أن ترجع لكتب التفسير المختصرة، لتفهم ما تنوي حفظه؛ فإنّ ربط الحفظ بالفهم له أثره البالغ في الحفظ.

10- وأخيراً: لا شيء مثل التكرار للحفظ، وتثبيت المحفوظ؛ فعليك بالتكرار، ثم التكرار، ثم التكرار.

وأذكِّرُ السائل بأن القرآن منيعٌ وعزيز؛ مصداق قول الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:41]، بل بلغ مِن عِزَّة هذا الكتاب أنه يفارق صدرَ من أهمله، فالذي يتركه ولا يقرؤه، لا يظل في صدره أبداً؛ لأنه عزيز. ومثال ذلك، أنك لو قدَّرْتَ شخصًا يزورك، وأنت تعبَس في وجهه، وتقصِّر في واجب إكرامه، وتَغضب عليه؛ فلا يمكن -إن كان عزيزاً- أن يزورك مرة أخرى، بل لو أحسَّ أن الإهمال تجاوز الحد، ربما يغادر بيتك فوراً، ولن يزورك مرة أخرى، ولا غرابة فهذا شأن الإنسان العزيز الكريم، والقرآن هكذا، إذا لم تقم بواجبك نحوه وأهملته، فلن يستمر معك وسيغادرك، فإن رجعت رجع، ولكن تذكر أن رجوعه ليس بالأمر السهل. جعلني الله وإياك من أهل القرآن وحفظته إنه ولي ذلك والقادر عليه…آمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): مسند أحمد (1947).
(2): صحيح مسلم (791).
(3): المعجم الكبير للطبراني (12662).
(4): مسند أحمد (12292).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.