ماذا يجب على من وجد بللاً في ثيابه الداخلية عند استيقاظه من النوم؟ (حنفي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. باسم عيتاني

السؤال

ماذا يجب على من وجد بللاً في ثيابه الداخلية عند استيقاظه من النوم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

         فمن روعة الفقه الإسلامي أنه يوجه المسلم والمسلمة إلى النظافة والطهارة والتمسك بالآداب العملية الجمالية، والتنزه من النجاسات، من أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ» [1] فطهارة البدن والثوب وغيرهما تجسد حالة إيمانية تنعكس على القلب ليزداد نورا على نور.

فالمؤمن والمؤمنة يجتهدان في تفقد الثوب والبدن من إصابتهما بأي نجاسة، لتطهيرها حتى يقفا في صلاتهما بين يدي الله على طهارة كاملة الظاهرة والباطنة، قال الله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4].

وهذه المسألة قد يقع فيها أي إنسان (الرجل أو المرأة) بأن يرى بللاً في لباسه أو على فخذه بعد استيقاظه، ولها عدة صور:

الصورة الأولى: إذا رأى احتلاماً وتيقن أنه مني وجب الغسل.

الصورة الثانية: إذا رأى احتلاماً وتيقن أنه مذي وجب عليه الغسل.

الصورة الثالثة: إذا رأى احتلاماً وشك أنه مني أو مذي وجب عليه الغسل.

الصورة الرابعة: إذا لم يذكر احتلاماً وتيقن أنه مني وجب عليه الغسل.

الصورة الخامسة: إذا لم يذكر احتلاماً وتيقن أنه مذي لا يجب عليه الغسل.

الصورة السادسة: إذا لم يذكر احتلاماً وشك أنه مني أو مذي وجب عليه الغسل احتياطا على قول أبي حنيفة ومحمد بن حسن الشيباني وهو المعتمد في المذهب، وخالفهما أبو يوسف بأنه لا يجب الغسل.

       واستدل الإمام أبو حنيفة بما روته السيدة عائشة أنه سُئلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الرَّجلِ يجدُ البللَ ولا يذكرُ احتلامًا ؟ قالَ : يغتسِلُ وعنِ الرَّجلِ يرَى أنَّهُ قد احتلمَ ولم يجِدْ بللًا قالَ لا غُسلَ عليهِ قالت أمُّ سلمةَ يا رسولَ اللَّهِ هل علَى المرأةِ ترَى ذلِكَ غُسلٌ قالَ: نعَم إنَّ النِّساءَ شقائقُ الرِّجالِ. [2] رواه الترمذي في سننه.

      كما استدل بمنطقه الفقهي بأن النوم مظِنَّة الاحتلام فيُحمَل عليه، و يُحتمَل أنه كان منياً فرَقَّ ، والاحتياطُ لازمٌ في بابِ العبادات.

      ونرى فقهاء الحنفية الأجلاء قد اختصروا هذه الصور بعبارة بديعة، فقد جاء في كتاب الفتاوى الهندية: [3] (وَإِن اسْتَيْقَظَ الرّجُل وَوَجَد عَلَى فِرَاشِه أَوْ فَخِذِهِ بَلَلًا وَهُوَ يَتَذَكَّرُ احْتِلَامًا إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَأَى بَلَلًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ يَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَذْيٌ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَجِبُ الْغُسْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بِالِاحْتِلَامِ، وَقَالَا: يَجِبُ).

والله تعالى أعلم وأجل وأكرم


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. باسم عيتاني، وتمت مراجعة الإجابة من قبل الشيخ فراز رباني.

 

الشيخ د. باسم عيتاني من علماء لبنان، حاصل على دكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005.
من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس، الشيخ عبد الرحمن الشاغوري، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، د. مصطفى البغا، د. وهبي الزحيلي، د. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعاً.
لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية والإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صحيح مسلم (223).

[2] سنن الترمذي (113).

[3] كتاب الفتاوى الهندية 1/ 16.