ماذا أفعل ليبارك الله في وقتي ورزقي؟
يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض
السؤال
ماذا أفعل ليبارك الله في وقتي ورزقي؟
الجواب
الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله
لا يستطيع المسلم أن يستغني عن البركة في حياته ، ولذا فهو مطالب بتحصيل البركة والوقوف على أسبابها ومبادئها والأسس التى تقوم عليها حتى ينال البركة ،لأنها سبيل تحقيق الأهداف و زيادة الخيرات،
مفهوم البركة
البركة لغة: يدور معنى هذا اللفظ حول الثبات، والزيادة والنماء، والسعادة.
و اصطلاحا: قال الراغب: البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء.
قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]. وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البِرْكة.. والمبارك ما فيه ذلك الخير([1])
وعرف الكفوي البركة بقوله: (النماء والزيادة، حسية كانت أو معنوية، وثبوت الخير الإلهي في الشيء وداومه)([2]).
والمتدبر في المعنيين يجد اتصالًا بينهما؛ حيث إن المعنى الاصطلاحي يعني: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وهذا مرتبط بمعنى البركة في اللغة التي هي الثبوت والرسوخ والسعادة من جهة، والنماء والزيادة المرتبطة بقاعدة الاستقامة في الدين من جهة أخرى، والتي يترتب عليها سعادة في الدنيا، ووفرة ثواب في الآخرة.
وقد أشارت نصوص القرآن والسنَّة إلى أسباب تُلتمس بها البركة من الله -عز وجل- فمن هذه الأسباب:
1. تقوى الله -عز وجل- والتوكل عليه:
يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]،
2. الاستغفار مع ترك الإصرار:
قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12]، وقال -جلَّ شأنه-: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3].
3. الدعاء بالبركة:
فمن دعا اللهَ -تعالى- بالبركة فاستجاب الله دعاءه، فإنه يحصِّل البركةَ من أخصر طُرقها؛ لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعطيها من يحب؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدِّثوا أبا طلحة بابنه حتى أكونَ أنا أحدِّثه، قال: فجاء فقرَّبت إليه عَشاءً، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنَّعتْ له أحسنَ ما كانت تصنَّعُ قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريَتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسبِ ابنَك، قال: فغضب وقال: تركتِني حتى تلطَّخت، ثم أخبرتِني بابني! فانطلق حتى أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما كان، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «بارك اللهُ لكما في غابر ليلتكما» قال: فحملتْ… ([3])
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو للمتزوج فنقول: « بَارَكَ اللهُ لَكَ ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» ([4])
وكذلك الدعاء لمن أطعمنا: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ»([5])
4. سلوك السبيل السويِّ في الكسْب والاسترباح وطلب الرزق الحلال، والتعفف عن الحرام وعن الشبهات:
فإذا كان المسلم ينشُد البركة في رزقه، وفي صحته، وفي ولده، فعليه بتحري الحلال في التكسب، والترفُّع عن كل ما لا يحل له من المال والمتاع، وعليه بالصِّدق والأمانة والعفة والصيانة، وألا ينغمسَ في الربا أو الغش أو ما شابه ذلك من المحرمات التي فيها أكلٌ لأموال الناس بالباطل؛ فإنه إن سار على منهج الله، فإن البركةَ ستحُلُّ في كسبه ورزقه وحياته كلها.
وقال الله -تبارك وتعالى- عن الربا ومَحْقِه للبركة: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].
5.كثرة الذكر والشكر:
يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[إبراهيم: 14].. والزيادة هنا زيادة في كل شيء سواء بالمال أو الصحة أو العمر إلى آخر نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. وقال تعالى: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]..
6. الصدقة والإنفاق(فريضة ونافلة):
فالصدقة تبارك مال الإنسان وتزيده والحسنة بعشر أمثالها ، قال تعالى: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].. ، وفي الحديث القدسي: «يا ابن آدم أنفق، أُنفق عليك »([6])
7. البر وصلة الرحم:
بر الوالدين وصلة الرحم من الأمور الجالبة للبركة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: « الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ»([7])
عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحب أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنسأَ له في أَثَره فليصِلْ رحِمَه»([8]).
والمقصود بقوله: «يُنسأ له في أثَره»: أن تحصلَ له البركةُ في عمره، وأن يوفَّقَ للطاعات، ولِعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة.([9])
8. الصدق في المعاملة من بيع وشراء:
قال عليه الصلاة والسلام: « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»([10])
9. حسن تنظيم الوقت والمبادرة إلى اغتنامه:
فالوقت هو رأس مال المسلم، ومسؤولياتُه في هذه الحياة تضيق بها الأوقات، وتفنى فيها الأعمار؛ لذلك كانت المبادرةُ إلى اغتنام الوقت وحُسن تنظيمه واجبًا من الواجبات الكبار؛ لأن واجباتِ المسلم لا تتمُّ إلا بهذا، وما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب، وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته بالبركة في بكورها؛ لأن البكور مبادرةٌ إلى اغتنام الوقت، وتبكيرٌ إلى حسن استغلاله وتنظيمه؛
فعن صخر بن وداعة الغامدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم باركْ لأمتي في بكورها»، وكان إذا بعث سَريةً أو جيشًا بعثهم في أول النهار، وكان صخرٌ رجلاً تاجرًا، وكان يبعث تجارتَه في أول النهار؛ فأثرى وكثُر ماله([11]).
10.الجود والكرم والتكافل:
يقول الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، ويقول: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]،
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«كُلُوا جميعًا ولا تَفرَّقوا؛ فإن طعامَ الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، كُلوا جميعًا ولا تفرقوا؛ فإن البركةَ في الجماعة»([12])
نسأل الله الكريم أن يبارك لنا في أعمالنا وأعمارنا و أولادنا و في جميع شؤوننا إنه سميع مجيب و الحمد لله رب العالمين
([1]) مفردات ألفاظ القرآن (1 / 83).
([2])الكليات، ص248.
([3]) أخرجه البخاري (1301ومسلم (2119) و قال الشارح :وَفِيهِ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَجَاءَ مِنْ وَلَدِهِ عَشَرَةُ رِجَالٍ عُلَمَاءُ أَخْيَارٌ
([4]) أخرجه ابن حبان (4052) والحاكم (2761) والنسائي (10017) وأبو داود (2130) والترمذي (1091)
([5]) أخرجه مسلم (2042) وابن حبان (5297) وأبو داود (3729)
([6]) أخرجه البخاري (4684) ومسلم (993)
([7]) أخرجه أحمد (25896) وأبو يعلى (4530)
([8]) أخرجه البخاري (2079) ومسلم (1532)
([9]) فتح الباري (10/429).
([10]) أخرجه البخاري (2079 ومسلم (1532)
([11]) أخرجه ابن حبان (4754) والنسائي (8782) وأبو داود (2606) والترمذي (1212) والدارمي (2479) وابن ماجه (2236)
([12]) أخرجه ابن ماجه (3255) والبزار (127)
[الشيخ] محمد فايز عوض
هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض من مواليد دمشق – سوريا 1965
درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها
خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985
حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور في باكستان.
له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،
مدرس في جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية
مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول
عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم:
والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.