ماذا أفعل إذا كثرت ديوني؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

ماذا أفعل إذا كثرت ديوني؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن الإنسان يمر في حياته الدنيا بأحوال مختلفة، من فقر وغنى، وصحة وسقم، ونشاط وكسل، لا مفر منها، ولكن العاقل إذا علم ذلك لا يستسلم ولا يرضى بواقعه السيء، لكنه يبادر إلى أخذ الحيطة والحذر، حتى لا يقع في ذلك الفخ، ويسارع إلى النجاة من الحال والظرف السيء بالاستعانة واللجوء إلى الله تعالى أولاً، وبحسن التدبير والاقتصاد ثانياً.

وتفصيل ذلك:

الدين هم بالليل وذل بالنهار، كما قالت العرب. وهو مما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في عدد من الأحاديث، منها ما في (صحيح البخاري) من حديث أنس رضي الله عنه: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيرا يقول:

“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزَن، والعَجْز والكسل، والبخل والجبن، وضِلَع الدَّين، وغلبة الرجال”(1)

، وفي رواية: “غلبة الدين”، وذلك فيما أخرجه أبوداود في (سننه) عن أبي سعيد الخدري، قال: دخل رسول صلى عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار، يقال له: أبو أمامة، فقال: «يا أمامة، ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟»، قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: «أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟»، قال: قلت: بلى، يا رسول، قال: “قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت:

اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال “،

قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني(2).

هذا، وإن أعظم السبل للتغلب على الديون هي سبيل اللجوء والتضرع إلى الله تعالى، ومن أجلى مظاهرها:

[1] الاستغفار، قال تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)[نوح: 10-12].

[2] الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي الدين وتنفي الهم.

[3] التوسل بالاسم الأعظم.

[4] اللهج بدعاء الكرب.

[5] تكرير الدعاء النبوي الوارد في حديث أبي أمامة السابق.

[6] أدعية أخرى، منها ما أخرجه الطبراني في (الدعاء) عن أبي وائل، قال: أتى عليا رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني عجزت عن مكاتبتي فأعني، فقال علي رضي الله عنه: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جَبلٍ ديناً لأداه الله عزّ وجل عنك، قل: «اللهم أغْنِني بحلالك عن حرامك، وأغْنِني بفضلك عمن سواك”(3).

ومن الأمور المهمة في مسألة الديون، أن يقدم المستدين نية صالحة بين يدي الدين الذي يأخذه، بأن ينوي أداءه وإرجاعه إلى صاحبه، وأن لا تكون استدانته في أمر غير مباح أو مكروه، فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله”(4). وعن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “كان الله مع الدائنحتى يقضي دينه . مالم يكن فيما يكره الله”(5).

ثم بعد ذلك، إذا اشتد الأمر على صاحب الدين، وطال انتظاره، فلا عليه أن يبث همه إلى ذي مروءة يفزع له ويعينه، ولا حرج عليه أن يأخذ من مال الزكاة لدخوله في سهم الغارمين، أي أصحاب الديون المستغرقة. هذا، وعلى الرجل العاقل الحصيف أن لا يرهق نفسه ويذلها بالاستدانة إلا عند الحاجة الماسة، وعليه أن يدبر أموره، ويوازن بين الدخل والصرف، وليقلل صرفياته على الكماليات والمشتهيات فإن النفوس إذا طمعت ولم يكبح جماحها تسترسل في الملذات وتورد صاحبها المهالك. نسأل الله أن يقينا شر نفوسنا، وأن يسترنا جميعاً بستره الجميل في الدارين، ونعوذ بالله من ضلع الدين وقهر الرجال، والحمدلله رب العالمين.

الهوامش:

1- صحيح البخاري: 4/ 43، رقم 2893.
2- سنن أبي داود: 2/ 93، رقم 1555.
3- الطبراني، الدعاء: ص 317، رقم 1042.
4- صحيح البخاري: 3/ 152، رقم 2387.
5- سنن ابن ماجه: 2/ 805، رقم  2409.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)