لماذا نصلّي على النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا لم يكن محتاجاً إلى ذلك؟

الإجابة من الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

لماذا نصلّي على النبي ﷺ إذا لم يكن محتاجاً إلى ذلك؟

الجواب

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل العبادات وأجل القربات ، فقد أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين ، فقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا﴾ [سورة الأحزاب: 56].
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها وبين مضاعفة أجرها و سنتكلم عن ذلك بالتفصيل.


و أما ما يتوهمه البعض من أن النبي عليه الصلاة والسلام كامل معصوم، فهل صلاتنا عليه تنفعه و تزيد في درجاته و هل يستفيد منها فالجواب على ذلك:

  • الأول:

    أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، فهي عبادة والواجب على المسلم الامتثال لأمر الله، وألا يعترض على أمره.


ما فائدة الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم؟

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل هي راجعة أيضاً على المصلي نفسه، فالفضل الوارد في الأحاديث إنما هي لمن صلى على النبي الصلاة عليه والسلام.
  • الثاني:

    حق النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الحقوق بعد حق الله، فقد أنقذ الله به خلقاً من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة الحديد: 9].

    فإذا كان الإنسان قد يكثر من ذكر اسم الطبيب الذي قد جعل الله على يديه شفاءه وغاية ما في الأمر صلاح البدن، فكيف بمن جعل الله علي يديه صلاح الروح والبدن معاً.
    فكان من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يكثروا من الصلاة عليه ردا لذلك الجميل وجزاء لبعض حقوقه عليه الصلاة والسلام.

    قال ابن القيم رحمه الله: “إن الله سبحانه أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه، والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله، فصلوا أنتم عليه فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليما لما نالكم ببركة رسالته” [ابن القيم، جلاء الأفهام] [1].

  • أما فوائد الصلاة على رسول الله فهي كثيرة منها:

١- أنّها امتثالٌ لأمر الله سبحانه الذي أمر بالصلاة والسلام عليه بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة الأحزاب: 56].

٢- أنّها ترفعُ درجات المصلي في الجنّة، وتُكفِّر ذنوبه وسيئاته. فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه عشرَ صلواتٍ، وحُطَّت عنه عشرُ خطيئاتٍ، ورُفعَت له عشرُ درجاتٍ» [2].

٣- أنها سببٌ لكفاية هموم العبد وإن عظُمت. فعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رسولَ اللهِ إِنَّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِي؟ فقال ما شِئْتَ، قال قلتُ: الربعَ، قال: ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ: النصفَ، قال: ما شئتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ، قال قلْتُ: فالثلثينِ، قال: ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ: أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها، قال: إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ» [3].

٤ – أنّها أداءٌ لبعض حقوقه الكثيرة على أمته، فأعظم خير وصلنا على يديه، فمِن أبسط حقوقه كثرة الصلاة والثناء عليه.

٥- أنّها سببٌ لنيل شفاعته. فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا، وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا، أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [4].
وفي الحديث عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُ الْمَقْعَدَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» [5].

٦- أنّ العبد إذا صلى عليه، صلى وأثنى عليه ربُه في الملأ الأعلى، وكلما زاد العبدُ صلاةً زاد الله عليه ثناءً لأن الجزاء من جنس العمل.
٧- أنّ أولى النّاس به، وأقربهم منه يوم القيامة أكثرهم صلاةً عليه، فعن ابن مسْعُودٍ رضي الله عنه أنَّ رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم قَالَ: «أَوْلى النَّاسِ بِي يوْمَ الْقِيامةِ أَكْثَرُهُم عَليَّ صَلاَةً» [6].

٨- إنّ صلاة العبد وسلامه تُعرض على نبيه في قبره، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «ما مِن أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ علَيهِ السَّلامَ» [7].

٩- أنّها سبب في استجابة الدعاء، فينبغي لمن يدعو ربَه أن يصلي عليه في أوله ونهايته. فعن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال: سمعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدْعُو في صلاتِهِ فلمْ يُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ «عَجِلَ هذا ثُمَّ دعاهُ فقال لهُ أوْ لغيرِهِ إذا صلَّى أحدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ والثَّناءِ عليهِ ثُمَّ لَيُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثُمَّ لَيَدْعُ بَعْدُ بِما شاءَ» [8].

١٠- أنّها من علامات توقيره ﷺ ومن دلائل الإيمان، ومن براهين المحبة (خصوصاً إذا أكثر العبد منها) قال الله تعالى: ﴿لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 9].

١١- أنّها سبب لطيب المجالس، وأن لا تعود حسرة على أهلها يوم القيامة. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أَيُّمَا قَوْمٍ جَلَسُوا فَأَطَالُوا الْجُلُوسَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْكُرُوا اللهَ، أَوْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللهِ تِرَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» [9].

١٢- أنّها سببٌ للثبات على الصراط. ففي الحديث: «وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً، وَيَجْثُو مَرَّةً، وَيَتَعَلَّقُ مَرَّةً، فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ عَلَيَّ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَتْهُ عَلَى الصِّرَاطِ حَتَّى جَاوَزَ» [10].

١٣- أنّ الله يُخرج المصلي على نبيه من الظلمات إلى النّور. قال سبحانه ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [سورة الأحزاب: 43].
وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [11].

١٤- أنّها سببٌ لإبقاء الذكر الحسن للعبد، لأنّ المصلي يطلب من الله الثناء على نبيه، فيجازيه الله من جنس عمله.
١٥- أنّها سبب لدوام محبته وزيادتها وتضاعفها لأنّ العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه تضاعف حبه في قلبه (ولا أعظم حباً ولا أنفع من حبه ﷺ).

فلنحرص أيها الإخوة الكرام على الإكثار من الصلاة و السلام على رسول الله لننال سعادة الدنيا و الآخرة، ويكون شفيعنا يوم القيامة، و الحمد لله رب العالمين.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراة في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركيا إلى الآن..
وهو عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ابن قيم الجوزية، جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام 1/ 162.
[2] سنن النسائي: (1296).
[3] سنن الترمذي: (2457).
[4] ابن أبي عاصم أحمد بن عمرو الشيباني، كتاب السنة (61) والمعجم الكبير للطبراني كما في جلاء الأفهام (ص127، 418).
[5] مسند الإمام أحمد (17265).
[6] سنن الترمذي (484).
[7] سنن أبي داود(2041).
[8] سنن الترمذي (3447).
[9] صحيح ابن حبان (590) ومسند الحاكم (1814) و التِّرَةُ: النَّقْصُ. وَقِيلَ التَّبِعَةُ.
[10] المعجم الكبير للطبراني (39).
[11] صحيح مسلم (384).