لماذا لم ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

لماذا لم ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم,

هناك أسبابٌ وحِكمٌ كثيرة في نزول القرآن مفرقاً، حيث استمر نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم  ثلاثاً وعشرين سنة، ومن هذه الحكم:

1- تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه:

كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ ‌لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: 32]  حيث بُعث المصطفى في قوم جفاةٍ شديدةٌ عداوتهم كثيرةٌ مكايدهم، فكانت تنزلات القرآن بين الفينة والأخرى تواسي قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليه وتشدُّ من أزره؛ لما في ذلك من تجديد الاتصال بالملأ الأعلى.

2- مسايرة الحوادث والطوارىء في تجدُّدِها وتفرُّقها:

فكلما جدَّ جديدٌ نزل من القرآن ما يناسبه ويفصِّل الله لهم من أحكامه ما يوافقه.

ومن هذه الحوادث المتجددة تلك الأسئلة التي كانوا يوجهونها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم سواء أكانت تلك الأسئلة لغرض التَّنَوُّر ومعرفةِ حُكْمِ الله تعالى، أو لغرض التثبت من رسالته صلى الله عليه وسلم؛ كما روي في سبب نزول سورة الكهف، أن قريشًا سألت اليهود في المدينة عن النبي صلّى الله عليه وسلم، فقالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهنَّ فهو نبي مرسل …” (1)  فنزلت آيات القرآن تجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة في سورة الكهف بشأن الفتية أصحاب الكهف، وبقصة ذي القرنين، ونزلت آية الإسراء (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85].

ومن الحوادث الخطيرة التي نزلت بسببها آيات من كتاب الله تعالى اتهام السيدة عائشة أم المؤمنين زوراً بالإفك؛ حيث نزلت عشر آيات تبين حقيقة هذا الإفك وتبرئ الحصان الرزان من فوق سبع سماوات، وإثمَ مَن أشاعه فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا ‌بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ.. ﴾ [النور: 11]

3- التدرج في تربية هذه الأمة الناشئة، وصياغتها على النهج الإسلامي القرآني:

فسلك القرآن مع الأمة مسلك التربية الحكيمة؛ ليسهل تخليها عن عقائدها الباطلة وعباداتها الفاسدة وعاداتها المرذولة؛ فكان هذا التدرج ترويضاً على هذا التخلي شيئًا فشيئًا، بسبب نزول القرآن عليهم كذلك شيئًا فشيئًا، فكلما نجح الإسلام معهم في هدم باطل انتقل بهم إلى هدم آخر وهكذا يبدأ بالأهم ثم بالمهم حتى انتهى بهم آخر الأمر عن تلك الأرجاس كلها فطهرهم منها وهم لا يشعرون بعَنَتٍ ولا حرج.

وقد بينت السيدة عائشة علَّة عدم تحريم الخمر دفعة واحدة، فقالت: “حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ، نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ. وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ ‌لَا ‌تَشْرَبُوا ‌الْخَمْرَ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا”. (2)

وأخيراً:

حِكم نزول القرآن مفرقاً كثيرة جداً، وأنصح السائل الكريم بقراءة كتاب النبأ العظيم للشيخ محمد عبد الله دراز حيث بيَّن كثيراً من تلك الحكم التي تفرَّق نزول القرآن بسببها. (3)

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): دلائل النبوة للبيهقي (2/269).
(2): صحيح البخاري (4707).
(3): ينظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (1/53)؛ علوم القرآن د. عتر ص28.

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي.

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.