لماذا لم يكن سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه من المكثرين من رواية الأحاديث كما هو الحال مع سيدنا أبي هريرة مع أنه أسلم متأخراً؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

لماذا لم يكن سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه من المكثرين من رواية الأحاديث كما هو الحال مع سيدنا أبي هريرة مع أنه أسلم متأخراً؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا محمد رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، و بعد :

اختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم صحابته رضي الله عنهم، و هيأهم لخدمة هذا الدين، كلٌ في مكانه، فسيدنا أبو بكر الصديق هو الصاحب في الهجرة، و هو الخليفة لرسول الله صلى الله عليه و سلم، و هو  من حمى الدين و قاتل المرتدين و جمع القرآن الكريم و غير ذلك ، و لعل انشغاله بهذه المسؤوليات العظيمة كان السبب في قلة روايته للحديث -مع كثرة ملازمته و أخذه عن النبي صلى الله عليه و سلم- ، بالإضافة إلى قصر الفترة الزمنية التي عاشها بعد النبي صلى الله عليه و سلم .

 في حين كان سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه ، أقل انشغالاً و أكثر تفرغاً للأخذ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و التبليغ عنه،  مع طول الفترة الزمنية التي عاشها بعد النبي صلى الله عليه و سلم ،بالإضافة إلى أمور أخرى، مما جعله في رأس قائمة المكثرين من الحديث من الصحابة رضي الله عنهم ، و الله أعلم

التفصيل و البيان :

لم يكن الصحابة رضي الله عنهم على مستوى واحد في أخذهم عن النبي صلى الله عليه و سلم أو البلاغ عنه، فبعضهم من لازم النبي صلى الله عليه و سلم و أخذ عنه طوال حياته، بل كان معه قبل بدء دعوته إلى حين وفاته صلى الله عليه و سلم كحال سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،و لكنه كان من المقلين في رواية الأحاديث عنه صلى الله عليه و سلم ، وبعضهم من أسلم متأخراً  و لازم النبي صلى الله عليه و سلم الفترة التي أدركه فيها و أخذ عنه، و كان من المكثرين في رواية الأحاديث عنه صلى الله عليه و سلم كحال سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه..

– لذلك؛ فموضوع الإقلال أو الإكثار من الرواية لا يرتبط -أولاً – بموضوع الأفضلية بين الصحابة و مكانتهم في الأمة، فبلا شك أفضل الصحابة على الإطلاق سيدنا الصديق رضي الله عنه.

و كذلك لا يرتبط – ثانياً – بموضوع الملازمة و الأخذ عنه صلى الله عليه و سلم فقط ، بل هنالك أسباب و اعتبارات أخرى وراء ذلك من أهمها :

1-     قضية التفرغ : سواء أكان في مرحلة الأخذ عنه صلى الله عليه و سلم، أو في مرحلة البلاغ و الرواية و التحديث عنه بعد وفاته عليه الصلاة و السلام

2-     المدة الزمنية التي عاشها الصحابي الراوي بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم

3-     بالإضافة إلى قضية قوة الحفظ أو كتابة الأحاديث في عهده صلى الله عليه و سلم

و الآن؛ و من خلال تطبيق هذه الأسباب و الاعتبارات على حالة كلٍ من الصحابيين الجليلين سيدنا أبي بكر و سيدنا أبي هريرة رضي الله عنها ؛ سنعرف السبب في كون سيدنا أبي هريرة الأكثر رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم من سيدنا أبي بكر ، بل من جميع الصحابة رضي الله عنهم جميعاً .

– فسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ؛ و إن كان أفضل الصحابة و أكثرهم أخذاً و ملازمةً و صحبةً للنبي صلى الله عليه و سلم في كل مراحل الدعوة بل حتى ما قبلها ؛ و لكنه:

 أولاً – كان أكثر الصحابة انشغالاً بعد وفاة النبي صلى الله عليه، حيث تولى منصب الخلافة عن النبي صلى الله عليه و سلم و تسيير أمور الرعية و  الدفاع عن الدين بقتال المرتدين و إنفاذ بعث أو جيش سيدنا أسامة بن زيد إلى الشام و غير ذلك من المهام العظيمة التي قدمها للأمة  كجمع القرآن الكريم و غير ذلك.

و ثانياً – المدة الزمنية التي عاشها بعد النبي صلى الله عليه و سلم كانت قصيرة جداً (سنتين و بضعة أشهر) ، و بالتالي لم تُتح له الفرصة للتبليغ و الرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم بعد وفاته بشكل كبير، و لذلك كان مجموع الأحاديث التي رواها لا تتجاوز مئة و اثنين و أربعين حديثاً (1).

– أما سيدنا أبو هريرة ( عبد الرحمن بن صخر الدوسي) رضي الله عنه ، و إن كان قد أسلم متأخراً في عام سبعة للهجرة ؛ و لكنه:
أولاً –  كان من أكثر الصحابة تفرغاً و ملازمة و أخذاً  عن النبي صلى الله عليه و سلم، خاصة أنه كان من أهل الصُّفَّة ، و هو المكان المُعد لفقراء المسلمين في المسجد النبوي.
هذا بالإضافة إلى دعاء النبي صلى الله عليه و سلم بكثرة الحفظ وقوته و عدم نسيان ما يرى أو يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم

 يقول رضي الله عنه موضحاً هذه الأسباب : « إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللهُ الْمَوْعِدُ، كُنْتُ رَجُلًا مِسْكِينًا أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي. فَبَسَطْتُ ثَوْبِي حَتَّى قَضَى حَدِيثَهُ، ثُمَّ ضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ ». متفق عليه (2)

ثانياً – كان من أكثر الصحابة عيشاً بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم: فقد عاش بعده ما يقارب ستاً و أربعين سنة، فقد توفي رحمه الله تعالى سنة سبع وخمسين هجرية عن ثمان وسبعين سنة ، مما أتاح له الفرصة الكبيرة للتحديث و التبليغ عن النبي صلى الله عليه و سلم بعد وفاته.

 فأخذ عنه خلق كثير و رووا عنه، و قد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً، فقد روى ما يزيد عن خمسة آلاف وثلاثمائة و سبعين حديثاً.(3)

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ».(4)

فرضي الله عنهم جميعاً

و بناءً على ما سبق :

أنصحك أخي السائل أن تطالع سير الصحابة رضي الله عنهم، و خاصة سيدنا أبي بكر و سيدنا أبي هريرة لمعرفتها ، و لتكون على دراية فيما يُراد -أحياناً – من إثارة مثل هذه الأسئلة للتشكيك في السنة الشريفة، من خلال التشكيك بالأحاديث التي رواها سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه, فكن على بصيرة و الله يتولى هداك .

المصادر و المراجع :

1- يُنظر للتوسع : أسد الغابة في معرفة الصحابة للإمام ابن الأثير الجزري ، دار الكتب العلمية ، ط1، [3\310] و ما بعدها
2- صحيح البخاري : رقم ( 7354) ، [ 9\108] صحيح مسلم : رقم ( 2492)، [7\166]
3- ينظر للتوسع كتاب: سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي [2\578] و ما بعدها، مؤسسة الرسالة،ط3.
4- صحيح البخاري : رقم (113)، [1\34]

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ